يا بني اسرائيل ويا بني آدم! انكم بقساوة قلوبكم تعصون اوامر رب جليل، وبغفلتكم عنه تغمضون عيونكم عن نور معرفة ذلك النور المصور الذي حوّل ارض مصر الى جنة وارفة الظلال واجرى النيل العظيم المبارك وامثاله من الانهار من افواه احجار صلدة بسيطة مظهراً معجزات قدرته وشواهد وحـدانيته قوية بقوة تلك الانهار العظيمة ونيّرة بشدة ظهورها وافاضاتها. فيضـع تلك الشواهد في قلب الكائنات ويسلّمها الى دماغ الارض، ويسيّلها في قلوب الجن والانس وفي عقولهم.
ثم انه سبحانه وتعالى يجعل صخوراً جامدة لا تملك شعوراً قط(1) تنال معجزات قدرته حتى انها تدل على الفاطر الجليل كدلالة ضوء الشمس على الشمس. فكيف لا ترون وتعمى ابصاركم عن رؤية نور معرفته جل جلاله؟
فانظر! كيف لبست هذه الحقائق الثلاث حلل البلاغة الجميلة، ودقق النظر في بلاغة الارشاد لترى مدى القساوة والغلظة التي تملك القلوب ولا تنسحق خشية امام ذلك الارشاد البليغ.
فان كنت قد فهمت من بداية هذه الكلمة الى نهايتها، فشاهد لمعة اعجاز اسلوب الارشاد القرآني واشكر ربك العظيم عليه.
﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم﴾
اللّهم فهّمنا اسرار القرآن كما تحب وترضى ووفقنا لخدمته.. آمين
برحمتك يا ارحم الراحمين.
(1) ينبع نهر النيل من جبل القمر، وينبع اهم رافد دجلة من كهف صخرة في ناحية (مكس) التابعة لمحافظة (وان) وان اعظم رافد لنهر الفرات ينبع من سفح جبل من جهة (ديادين) ولما كان اصل الجبال حقيقة متكونة من مادة مائعة تجمدت احجاراً كما هو ثابت في العلوم الحديثة وكما يدل عليه الذكر النبوي في: (سبحان من بسط الارض على ماء جَمَدْ) مما يدل دلالة قاطعة على ان اصل خلق الارض على الوجه الآتي:
ان مادة شبيهة بالماء قد انجمدت بالامر الالهي واصبحت حجراً، والحجر أصبح تراباً باذن الهي، اذ لفظ الارض الوارد في الذكر يعني التراب. بمعنى ان ذلك الماء (المادة المائعة) لين لطيف جداً بحيث لا يمكن استقرار شيء عليه. والحجر بذاته صلب جداً لا يمكن الاستفادة منه، لذا نشر الحكيم الرحيم التراب فوق الحجر ليكون مستقراً لذوي الحياة. ــ المؤلف.