الكلمات | الكلمة السابعة والعشرون | 653
(652-663)

ثانيها:
ان الضروريات الدينية التي لا مجال فيها للاجتهاد لقطعيتها وثبوتها، والتي هي في حكم القوت والغذاء، قد اُهملت في العصر الحاضر واخذت بالتصدع، فالواجب يحتم صرف الجهود وبذل الهمم جميعاً لاحياء هذه الضروريات واقامتها، حيث ان الجوانب النظرية للاسلام قد استثرت بافكار السلف الصالحين وتوسعت باجتهاداتهم الخالصة حتى لم تعد تضيق بالعصور جميعاً؛ لذا فان ترك تلك الاجتهادات الزكية والانصراف عنها الى اجتهادات جديدة اتباعاً للهوى انما هو خيانة مبتدعة.
ثالثها:
مثلما يروّج لمتاع في السوق حسب المواسم ويرغّب فيه، كذلك اسواق الحياة الاجتماعية ومعارض الحضارة البشرية في العالم، فترى متاعاً يرغّب فيه في عصر، فيكون له رواج، فتُوجَّه اليه الانظار، وتجذب نحوه الافكار، فتحوم حوله الرغبات. فمثلاً: ان المتاع الذي تُلفت اليه الانظار في عصرنا الحاضر وتُرغّب فيه هو الانشغال بالامور السياسية واحداثها، وتأمين الراحة في الحياة الدنيا وحصر الهمّ بها، ونشر الافكار المادية وترويجها. بينما نرى ان السلعة الغالية النفيسة، والبضاعة الرائجة المقبولة في عصر السلف الصالح واكثر ما يرغَّب فيه في سوق زمانهم هو ارضاء رب السموات والارض والوقوف عند حدوده، واستنباط اوامره ونواهيه من كلامه الجليل، والسعي لنيل وسائل الوصول الى السعادة الخالدة التي فتح ابوابها الى الابد القرآن الكريم ونور النبوة الساطع. فكانت الاذهان والقلوب والارواح كلها متوجهة - في ذلك العصر - وبكل قواها الى معرفة مرضاة الله سبحانه وادراك مرامي كلامه، حتى باتت وجهة حياتهم واحوالهم المختلفة وروابطهم فيما بينهم وحوادثهم واحاديثهم مقبلة كلها الى مرضاة رب السموات والارضين، لذا ففي مثل هذه الحياة التي تجري بشتى جوانبها وفق مرضاة رب العالمين سبحانه تصبح الحوادث بالنسبة لصاحب الاستعداد والقابليات الفطرية

لايوجد صوت