السخيفة.
أجل! لكأن الشياطين اختطفوا عقول الفلاسفة الملحدين بمنقار (أنا) ومخاليبه وألقوها في أودية الضلالة، ومزقوها شر ممزق.
فـ(أنا) في العالم الصغير ـ الانسان ـ كالطبيعة في العالم الكبير، كلاهما من الطواغيت: ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم﴾(البقرة : 256).
* * *
ولقد رأيت حادثة مثالية قبل الشروع بتأليف هذه الرسالة بثماني سنوات، عندما كنت في استانبول شهر رمضان المبارك، وكان آنئذٍ سعيد القديم ـ الذي انشغل بالفلسفة ـ على وشك ان ينقلب الى سعيد الجديد.. في هذه الفترة بالذات وحينما كنت أتأمل في المسالك الثلاثة المشارة اليها في ختام سورة الفاتحة بـ ﴿صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ رأيت تلك الحادثة الخيالية وهي حادثة أشبه ما يكون بالرؤيا. سجلتها في حينها في كتابي (اللوامع) على صورة سياحة خيالية وبما يشبه النظم. وقد حان الآن وقت ذكر معناها وشرحها، حيث انها تسلط الاضواء على الحقيقة المذكورة.
كنت ارى نفسي وسط صحراء شاسعة عظيمة، وقد تلبدت السماء بسحب قاتمة مظلمة، الأنفاس تكاد تختنق على الارض كافة. فلا نسيم ولا ضياء ولا ماء. كل ذلك مفقود.
توهمت ان الارض ملأى بالوحوش والضوارى والحيوانات الضارة. فخطر على قلبي ان في الجهة الاخرى من الارض يوجد نسيم عليل وماء عذب وضياء جميل، فلا مناص اذاً من العبور الى هناك.. ثم وجدتنى وانا اُساق الى هناك دون ارادتي.. دخلت كهفاً تحت الارض، اشبه ما يكون بانفاق الجبال، سرتُ في جوف الارض خطوة خطوة وانا اشاهد أن كثيرين قد سبقوني في المضي من هذا الطريق تحت الارض، دون ان يكملوا السير اذ ظلوا في اماكنهم