مختنقين، فكنت أرى آثار اقدامهم، واسمع ـ حيناً ـ اصوات عددٍ منهم .. ثم تنقطع الاصوات.
فيا صديقي الذي يرافقني بخياله في سياحتي الخيالية هذه!
ان تلك الارض هي (الطبيعة) و (الفلسفة الطبيعية). اماالنفق فهو المسلك الذي شقه اهل الفلسفة بافكارهم لبلوغ الحقيقة.أما آثار الاقدام التي رأيتها فهي لمشاهير الفلاسفة كافلاطون وارسطو(1). وما سمعته من اصوات هو أصوات الدهاة كابن سينا والفارابي.. نعم كنت أجد اقوالاً لإبن سينا وقوانين له في عدد من الاماكن، ولكن كانت الاصوات تنقطع كلياً، بمعنى انه لم يستطع ان يتقدم، أي انه اختنق.. وعلى كل حال فقد بينت لك بعض الحقائق الكامنة تحت الخيال لأخفف عنك تلهفك وتشوقك.. والآن اعود الى ذكر سياحتي:
استمر بي السير، واذا بشيئين يجعلان بيدي.
الاول: مصباح كهربائي، يبدد ظلمات كثيفة للطبيعة تحت الارض.
والآخر: آلة عظيمة، تفتت صخوراً ضخمة هائلة امثال الجبال.. فينفتح لي الطريق.
وهُمِس في اذني آنذاك: ان هذا المصباح والآلة، قد منحتا لك من خزينة القرآن الكريم.. وهكذا فقد سرت مدة على هذا المنوال، حتى رأيت نفسي قد وصلت الى الجهة الاخرى، فاذا الشمس مشرقة في سماء صافية جميلة لا سحاب فيها، واليوم يوم ربيع بهيج، والنسيم يهب كأن فيه الروح، والماء السلسبيل العذب يجري. فقد رأيت عالَماً
(1) وان قلت: فما تكون انت حتى تنازل هؤلاء المشاهير؟ فهل اصبحت نظير ذبابة حتى تتدخل في طيران الصقور؟
وانا اقول: لما كان لي استاذ أزلي وهو القرآن العظيم، فلا أراني مضطراً ان ابالي ـ ولو بقدر جناح ذبابة ـ في طريق الحقيقة والمعرفة، باولئك الصقور الذين هم تلاميذ الفلسفة الملوثة بالضلالة والعقل المبتلى بالاوهام. فمهما كنت أدنى منهم درجة إلاّ ان استاذهم ادنى بدرجات لاحدّ لها من استاذي، فبفضل استاذي وهمته لم تستطع المادةُ التي اغرقتهم ان تبلل قدمي. نعم! ان الجندي البسيط الحامل لأوامر سلطان عظيم وقوانينه، يمكنه ان ينجز من الاعمال مالا ينجزه مشير لدى ملك صغير. ـ المؤلف.