الكلمات | الكلمة الثالثة عشرة | 180
(179-185)

ومثلاً: ان اعاشة جميع الصغار من خزائن الغيب اعاشةً في منتهى الانتظام التي تمثل ألطف معجزة من معجزات رحمته تعالى واعمّها في الوجود، تنظر اليها حكمة الفلسفة أمراً مألوفاً عادياً، فتسترها بستار الكفران، بينما تلفت الانظار الى اعاشة حشرة شذت عن النظام ونأت عن طائفتها وظلت وحيدة في الغربة فريدة في اعماق البحر، فبدأت تقتات على ورق نبات اخضر هناك حتى انها لتثير اشجان الصيادين الى ما يتجلى منها من لطف وكرم بل تدفعهم الى البكاء والحزن(1).
فشاهد في ضوء هذه الامثلة ثروة القرآن الطائلة وغناه الواسع في معرفة الله في ميدان العلم والحكمة.. وافلاس الفلسفة وفقرها المدقع في دروس العبرة والعلم بمعرفة الصانع الجليل.
ولأجل هذا السر فالقرآن الكريم الذي هو جامع لحقائق باهرة ساطعة لا نهاية لها، مستغنٍ عن خيالات الشعر.. وثمة سبب آخر لتنزه القرآن عن الشعر هو ان القرآن مع انه في اتم نظام خارق واكمل انتظام معجز ويفسّر - باساليبه المنتظمة - تناسق الصنعة الإلهية في الكون نراه غير منظوم، فكل آية من نجوم آياته لا تتقيد بنظام الوزن، لذا تصبح كأنها مركز لأكثر الآيات وشقيقتها. اذ تمثل خيوط العلاقة بين الآيات المترابطة في المعنى دائرة واسعة. فكأن كل آيةٍ حرةٍ - غير مقيدة بنظام الوزن - تملك عيوناً باصرة الى اكثر الآيات، ووجوهاً متوجهة اليها.
ومن هذا نجد في القرآن الكريم آلافاً من القرائين حتى أنه يهب لكل ذي مشرب قرآناً منه. فسورة الاخلاص - مثلاً - تشتمل على خزينة عظيمة لعلم التوحيد، تضم ستاً وثلاثين سورة اخلاصٍ، تتكون من تراكيب جملها الست ذات العلاقات المترابطة بعضها ببعض، كما وضّح ذلك في الكلمة الخامسة والعشرين.
نعم! ان عدم الانتظام الظاهر في نجوم السماء، يجعل كل نجم (1) لقد وقعت هذه الحادثة فعلاً في اميركيا. – المؤلف

لايوجد صوت