بحقه موضع انزواء واعتزال من الناس كما كان الزهاد والعباد ينزوون في الكهوف والمغارات ويتفرغون للعبادة. أي يمكن ان يكون هو مثل اولئك الزهاد.
وستكون كل ساعة من ساعاته ان كان فقيراً ومريضاً وشيخاً متعلقاً قلبه بحقائق الايمان وقد أناب الى الله وادّى الفـرائض، في حـكم عبـادة عشـرين ساعة له، ويتحول السجن بحقه مدرسـة تربوية ارشادية، وموضع تحابب ومـكان تـعاطف، حيث يقضي أيامه مع زملائه في راحة فضلاً عن راحته وتوجه الانظار اليه بالرحمة، بل لعله يفضل بقاءه في السجن على حريته في الخارج التي تنثال عليه الذنوب والخطايا من كل جانب، ويأنس بما يتلقى من دروس التربية والتزكية فيه. وحينما يغادره لا يغادره قاتلاً ولا حريصاً على أخذ الثأر، وانما يخرج رجلاً صالحاً تائباً الى الله، قد غنم تجارب حياتية غزيرة. فيصبح عضواً نافعاً للبلاد والعباد، حتى حدا الامر بجماعة كانوا معنا في سجن (دنيزلي) الى القول، بعدما أخذوا دروساً ايمانية في سمو الاخلاق ولو لفترة وجيزة من رسائل النور:
(لو تلقى هؤلاء دروس الايمان من رسائل النور في خمسة اسابيع، فانه اجدى لاصلاحهم من القائهم في السجن خمس عشرة سنة).
فما دام الموت لا يفنى من الوجود، والأجل مستور عنا بستار الغيب، ويمكنه ان يحلّ بنا في كل وقت.. وان القبر لا يُغلق بابه.. وان البشرية تغيب وراءه قافلة اِثر قافلة.. وان الموت نفسه بحق المؤمنين ما هو الاّ تذكرة تسريح واعفاء من الاعدام الأبدي - كما وضّح ذلك بالحقيقة القرآنية - وانه بحق الضالين السفهاء اعدام أبدي كما يشاهدونه أمامهم؛ اذ هو فراق أبدي عن جميع أحبتهم وأقاربهم بل الموجودات قاطبة.. فلابد ولا شك بان أسعد انسان هو مَن يشكر ربه صابراً محتسباً في سجنه مستغلاً وقته أفضل استغلال، ساعياً لخدمة القرآن والإيمان مسترشداً برسائل النور.
ايها الانسان المبتلى بالملذات والمتع!