والكتابة، وتناوله بمقياس اكبر، وبالنظرة الواسعة الى هذا الكون الكبير. بل تفهمون كيف يعرّف الخالقَ العظيم بـ (الله اكبر) وكيف يعلّم التقديس بـ (سبحان الله) وكيف يحبّب الله سبحانه الينا بثناء (الحمدلله).
وهكذا فان كل علم من العلوم العديدة جداً، يدل على خالق الكون ذي الجلال - قياساً على ما سبق - ويعرّفه لنا سبحانه باسمائه الحسنى، ويعلّمه ايانا بصفاته الجليلة وكمالاته. وذلك بما يملك من مقاييس واسعة، ومرايا خاصة، وعيون حادة باصرة، ونظرات ذات عبرة.
فقلت لأولئك الطلبة الشباب: ان حكمة تكرار القرآن الكريم من: ﴿خَلَق السموات والأرض﴾ و﴿ربّ السموات والأرض﴾ انما هي لأجل الارشاد الى هذه الحقيقة المذكورة، وتلقين هذا البرهان الباهر للتوحيد، ولأجل تعريفنا بخالقنا العظيم سبحانه.
فقالوا: شكراً لربنا الخالق بغير حد، على هذا الدرس الذي هو الحقيقة السامية عينها، فجزاك الله عنا خير الجزاء ورضي عنك.
قلت: ان الانسان ماكنة حيوية، يتألم بآلاف الانواع من الآلام، ويتلذذ بآلاف الأنواع من اللذائذ، ومع أنه في منتهى العجز، فان له من الأعداء ما لا يحد سواء الماديين أو المعنويين، ومع أنه في غاية الفقر فان له رغبات باطنة وظاهرة لا تحصر، فهو مخلوق مسكين يتجّرع آلام صفعات الزوال والفراق باستمرار.. فرغم كل هذا، فانه يجد بانتسابه الى السلطان ذي الجلال بالايمان والعبودية، مستنداً قوياً، ومرتكزاً عظيماً يحتمي اليه في دفع أعدائه كافة، ويجد فيه كذلك مدار استمداد يستغيث به لقضاء حاجاته وتلبية رغباته وآماله كافة، فكما ينتسب كلٌ الى سيده ويفخر بشرف انتسابه اليه، ويعتز بمكانة منزلته لديه، كذلك فان انتساب الانسان بالايمان الى القدير الذي لا نهاية لقدرته، والى السلطان الرحيم ذي الرحمة الواسعة، ودخوله في عبوديته، بالطاعة والشكران، يبدّل الأجل والموت من