فقيل له:
- (عد بخيالك - كهذا السائح - الى ذلك العصر واستمع اليها هناك).
وبينما هو يتخيل نفسه هناك فيما قبل نزول القرآن الكريم، اذا به يرى:
ان موجودات العالم ملقاة في فضاء خالٍ شاسع دون حدود، في دنيا فانية زائلة، وهي في حالة يائسة مضطربة تتخبط في ظلمة قاتمة، وهي جامدة دون حياة وشعور، وعاطلة دون وظيفة ومهام، ولكن حالما أنصت الى هذه الآية الكريمة وتدبرها اذا به يرى:
ان هذه الآية قد كشفت حجاباً مسدلاً عن وجه الكون وعن وجه العالم كله حتى بان ذلك الوجه مشرقاً ساطعاً، فألقى هذا الكلام الأزلي والأمر السرمدي درساً على جميع أرباب المشاعر المصطفين حسب العصور كلها مظهراً لهم:
ان هذا الكون هو بحكم مسجد كبير، وان جميع المخلوقات - ولا سيما السموات والارض - منهمكة في ذكر وتهليل وتسبيح ينبض بالحيوية. وقد تسنم الكل وظائفهم بكل شوق ونشوة وهـم ينجزونها بكل سعادة وإمتـنان.
هكذا شاهد السائح سريان مفعول هذه الآية الكريمة في الكون، فتذوق مدى سمو بلاغتها، وقاس عليها سائر الآيات الكريمة، فأدرك السر في هيمنة بلاغة القرآن الفريدة لنصف الارض وخمس البشرية، وعلم حكمة واحدة من آلاف الحكم لديـمومة جلال سلطان القرآن الكريم بكل توقير وتعظيم على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان دون إنقطاع.
النقطة الرابعة: ان القرآن الكريم قد أظهر عذوبة وحلاوة ذات اصالة وحقيقة بحيث ان التكرار الكثير - المسبب للسآمة حتى من أطيب الأشياء - لا يورث الملال عند من لم يفسد قلبه ويبلد ذوقه، بل يزيد تكرار تلاوته من عذوبته وحلاوته، وهذا أمر مسلّم به عند