الكلمات | الموقف الثالث | 868
(867-904)

ومهما يطل البحث بنا فانه يعدّ قصيراً، فينبغي عدم السأم.
اذا اراد فنان بارع في التصوير والنحت، رسم صورة زهرة فائقة الجمال، وعمل تمثال حسناء رائعة الحسن، فانه يبدأ اول ما يبدأ بتعيين بعض خطوط الشكل العام لكل منهما.. فتعيينه هذا انما يتم بتنظيم، ويعمله بتقدير يستند فيه الى علم الهندسة، فيعيّن الحدود وفقه.. فهذا التنظيم والتقدير يدلان على انهما فُعلا بعلمٍ وبحكمة. اي ان فعلَي التنظيم والتحديد يتمان وفق (ثركار) العلم والحكمة، لذا تحكُم معاني العلم والحكمة وراءَ التنظيم والتحديد، اذن ستبيّن ضوابط العلم والحكمة نفسها.. نعم، وها هي تبيّن نفسها، اذ نشاهد الفنان قد بدأ بتصوير العين والاذن والانف للحسناء واوراق الزهرة وخيوطها اللطيفة الدقيقة داخل تلك الحدود التي حدّدها.
والآن نشاهد ان تلك الاعضاء التي عُيّنت وفق (ثركار) العلم والحكمة أخذت صيغة الصنعة المتقنة والعناية الدقيقة، لذا تحكمُ معاني الصنع والعناية وراء (ثركار) العلم والحكمة.. اذن ستبين نفسها.. نعم، وها قد بدات قابلية الحسن والزينة في الظهور مما يدل على أن الذي يحرك الصنعة والعناية هو ارادة التجميل والتحسين وقصد التزيين، لذا يحكمان من وراء الصنعة والعناية؛ وها قد بدأ (الفنان) باضفاء حالة التبسم لتمثال الحسناء، وشرع بمنح اوضاع حياتية لصورة الزهرة، اي بدأ بفعلَي التزيين والتنوير. لذا فالذي يحرك معنى التحسين والتنوير هما معنيا اللطف والكرم.. نعم! ان هذين المعنيين يحكمان، بل يهيمنان الى درجة كأن تلك الزهرة لطفٌ مجسم وذلك التمثال كرمٌ متجّسد. تُرى ما الذي يحرك معاني الكرم واللطف، وما وراءهما غير معاني التودد والتعرف. اي تعريف نفسه بمهارته وفنه وتحبيبها الى الآخرين.. وهذا التعريف والتحبيب آتيان من الميل الى الرحمة وإرادة النعمة.. وحيث أن الرحمة وارادة النعمة من وراء التودد والتعرّف، فستملآن اذن نواحي التمثال بانواع الزينة والنعم، وستعلقان على الصورة، صورة الزهرة الجميلة هدية ثمينة.. وها نحن نشاهد أن (الفنان) قد بدأ بملء يدي التمثال وصدره بنعمٍ

لايوجد صوت