الكلمات | الموقف الثالث | 869
(867-904)

قيمة ويعلّق على صورة الزهرة درراً ثمينة.. بمعنى ان معاني الترحم والتحنن والاشفاق قد حرّكت الرحمة وإرادة النعمة.. وما الذي يحرك معاني الترحم والتحنن هذه، وما الذي يسوقهما الى الظهور لدى ذلك المستغنى عن الناس، غير ما في ذاته من جمال معنوي وكمال معنوي يريدان الظهور. إذ إن اجمل ما في ذلك الجمال، وهو المحبة، وألذ ما فيه وهو الرحمة، كل منها - اي المحبة والرحمة - يريد اراءة نفسه بمرآة الصنعة، ويريد رؤية نفسه بعيون المشتاقين، لأن الجمال - وكذا الكمال - محبوب لذاته، يحب نفسه اكثر من اي شئ آخر، حيث أنه حُسن وعشق في الوقت نفسه، فاتحاد الحسن والعشق آتٍ من هذه النقطة.. ولما كان الجمال يحب نفسه، فلابد أنه يريد رؤية نفسه في المرايا، فالنعم الموضوعة على التمثال، والثمرات اللطيفة المعلقة على الصورة، تحمل لمعةً براقة من ذلك الجمال المعنوي - كل حسب قابليته - فتُظهر تلك اللمعات الساطعة نفسها الى صاحب الجمال، والى الآخرين معاً.
وعلى غرار هذا المثال ينظم الصانع الحكيم (ولله المثل الاعلى) الجنة والدنيا والسموات والارض والنباتات والحيوانات والجن والانس والملك والروحانيات، اي بتعبير موجز ينظم سبحانه جميع الاشياء كليّها وجزئيها.. ينظمها جميعاً بتجليات اسمائه الحسنى ويعطي لكل منها مقداراً معيناً حتى يجعله يستقرىء اسم (المقدر، المنظم، المصور).
وهكذا بتعيينه سبحانه وتعالى حدود الشكل العام لكل شئ تعييناً دقيقاً يُظهر اسم (العليم، الحكيم). ثم يرسم بمسطرة العلم والحكمة ذلك الشئ ضمن الحدود المعينة، رسماً متقناً الى حد يُظهر معاني الصنع والعناية، اي اسمي: الصانع، الكريم.. ثم يضفي على تلك الصورة جمالاً وزينة، بفرشاة العناية وباليد الكريمة للصنعة، فان كانت الصورة انساناً اضفى على اعضائه كالعين والانف والاذن الواناً من الحسن والجمال.. وان كانت الصورة زهرة اضفى سبحانه الى اوراقها واعضائها وخيوطها الرقيقة الواناً من الجمال والرواء

لايوجد صوت