القرآن يحمي نفسه بنفسه وينفذ حكمه (1)
رأيت شخصاً قد ابتلي باليأس، وأصيب بالتشاؤم. يقول:
لقد قلّ العلماء في هذه الايام، وغلبت الكميةُ النوعيةَ، نخشى ان ينطفئ ديننا في يوم من الايام.
قلت: كما لا يمكن اطفاء نور الكون ولا يمكن اطفاء ايماننا الاسلامي، كذلك سيسطع الاسلام في كل آن ان لم تطفأ منارات الدين، معابد الله، معالم الشرع، تلك هي شعائر الاسلام، الاوتاد الراسخة في الارض.
فلقد اضحى كل معبد من معابد الله معلّماً بطبعه يعلّم الطبائع.
وصار كلُ مَعْلَمٍ من معالم الشرع استاذاً، يلقن الدين بلسان حاله. من دون خطأ ولا نسيان!
واصبحت كل شَعيرة من شعائر الاسلام، عالماً حكيماً بذاته، يدرّس روح الاسلام ويبسطه امام الانظار بمرور العصور.
حتى كأن روح الاسلام قد تجسم في شعائره. وكأن زلال الاسلام قد تصلب في معابده، عموداً سانداً للايمان، وكأن احكام الاسلام قد تجسدت في معالمه. وكأن اركان الاسلام قد تحجرت في عوالمه، كل ركن عمود من الألماس يربط الارض بالسماء. ولا سيما هذا القرآن العظيم، الخطيب المعجز البيان، يلقي خطاباً ازلياً في اقطار عالم الاسلام..لم تبقَ ناحيةٌ ولا زاوية الاّ واستمعت له واهتدت بهديه. حتى صار حفظُه مرتبة جليلة يسري فيها سر الآية الكريمة ﴿..وانا له لحافظون..﴾ وغدت تلاوته عبادة الانس والجان.
فيه تعليم، فيه تذكير بالمسلّمات. اذ النظريات تنقلب الى مسلّمات بمرور الازمان، ثم الى بديهيات حتى لا تدع حاجة الى بيان.
فقد خرجت الضروريات الدينية من طور النظريات. فالتذكير بها اذن كافٍ والتنبيه وافٍ، والقرآن شاف في كل وقت وآن، اذ فيه التنبيه
(1) كأن هذا البحث الذي كتب قبل خمس وثلاثين سنة، قد كتب هذه السنة، فهو اشارة مستقبلية أملتها اذن بركة شهر رمضان.ــ المؤلف().