الكلمات | الكلمة العاشرة القطعة الثالثة | 152
(144-153)

غرزاً لا انفصام لها في فطرة هذا الانسان الذي هو أكمل ثمرة لهذا الكون، وأحب مخلوق الى خالق الكون، وهو أوثق صلة مع موجودات الكون كله، لا شك انه يشير بالبداهة الى وجود عالم باقٍ بعد هذا العالم الفاني، والى وجود عالم الآخرة ودار السعادة الأبدية.
فجميع هذه الدلائل تثبت بقطعية تامة - الى حدّ يستلزم القبول - وجود الآخرة بمثل بداهة وجود الدنيا(1). فما دام أهم درس يلقننا القرآن ايّاه هو (الأيمان بالآخرة) وهذا الدرس رصين ومتين الى هذه الدرجة، وفي ذلك الايمان نور باهر ورجاء شديد وسلوان عظيم ما لو اجتمعت مائة الف شيخوخة في شخص واحد لكفاها ذلك النور، وذلك الرجاء، ذلك السلوان النابع من هذا الايمان؛ لذا علينا نحن الشيوخ ان نفرح بشيخوختنا ونبتهج قائلين:
(الحمد لله على كمال الايمان).

(1) ان مدى السهولة في إخبار (الامر الثبوتي) ومدى الصعوبة والاشكال في (نفي وانكار) ذلك، يظهر في المثال الاتي:
اذا قال احدهم: ان هناك ـ على سطح الارض ـ حديقة خارقة جداً ثمارها كعلب الحليب، وأنكر عليه الآخر قوله هذا قائلاً: لا، لا توجد مثل هذه الحديقة. فالاول يستطيع ـ بكل سهولة ـ ان يثبت دعواه. بمجرد اراءة مكان تلك الحديقة او بعض ثمارها. أما الثاني (اي المنكر) فعليه ان يرى ويُري جميع انحاء الكرة الارضية لأجل ان يثبت نفيه، وهو عدم وجود مثل هذه الحديقة. وهكذا الامر في الذين يخبرون عن الجنة، فانهم يُظهرون مئات الآلاف من ترشــحاتها، ويبيّنون ثمارها واثارها، علـماً ان شاهدين صادقين منهم كافيان لاثبات دعواهم، بينما المنكرون لوجودها، لا يسعهم اثبات دعواهم الاّ بعد مشاهدة الكون غير المحدود، والزمن غير المحدود، مع سبر غورها بالبحث والتفتيش، وعند عدم رؤيتهم لها، يمكنهم اثبات دعواهم!
فيا من بلغ به الكبر عتياً ويا ايها الاخوة! اعلموا ما أعظم قوة الايمان بالآخرة وما اشد رصانته!. ــ المؤلف.

لايوجد صوت