الكلمات | المقام الثاني | 188
(186-190)

الطعام؟ فكيف اذن بإخبار مئات الآلاف من الصادقين المصدّقين، إخباراً يبلغ صدقُهم مائة في المائة، واتفاقهم جميعاً على أن الضلالة والجحود يدفعان الانسان الى مشنقة القبر وسجنه الانفرادي الابدي - كما هو ماثل امامكم - وان الايمان والعبادة بيقين مائة في المائة، كفيلان برفع أعواد المشنقة واغلاق باب السجن الانفرادي، وتحويل القبر الى باب يُفتح الى قصور مزيّنة عامرة بالسعادة الدائمة، وكنوز مليئة لا تنضب.. علماً أنهم مع أخبارهم هذا يدلون على اماراتها ويظهرون آثارها.
والآن أوجه اليكم هذا السؤال:
- تُرى ما موقف الانسان البائس، ولا سيما المسلم، ازاء هذه المسألة الجسيمة الرهيبة؟ هل يمكن أن تزيل سلطنةُ الدنيا كلها مع ما فيها من متع ولذائذ، ما يعانيه الانسان من اضطراب وقلق في انتظار دوره في كل لحظة للدخول الى القبر، إن كان فاقداً للايمان والعبادة؟.
ثم أن الشيخوخة والمرض والبلاء، وما يحدث من وفيات هنا وهناك، تقطّر ذلك الألم المرير الى نفس كل انسان، وتُنذره دوماً بمصيره المحتوم. فلا جرم أن أولئك الضالين وأرباب السفاهة والمجون سيتأجج في قلوبهم جحيمٌ معنوي، يعذبهم بلظاه حتى لو تمتعوا بمباهج الدنيا ولذائذها، بيد أن الغفلة وحدها هي التي تحول دون استشعارهم ذلك العذاب الاليم.
فما دام أهل الايمان والطاعة يرون القبر الماثل أمامَهم باباً الى رياض سعادة دائمة ونعيم مقيم، بما مُنحوا من القدر الالهي من وثيقة تُكسبهم كنوزاً لا تفنى بشهادة الايمان، فان كلاً منهم سيشعر لذة عميقة حقيقية راسخة، ونشوة روحية لدى انتظاره كل لحظة مَن يناديه قائلاً: تعال خذ بطاقتك! بحيث أن تلك النشوة الروحية لو تجسمت لاصبحت بمثابة جنة معنوية خاصة بذلك المؤمن، بمثل ما تتحول البذرة وتتجسم شجرةً وارفة.
ولما كان الامر هكذا، فالذي يدَع تلك المتعة الروحية الخالصة

لايوجد صوت