الضيافة الإلهية والعيد الرباني، وما فيهما من تجليات اسم (الرحمن والمحيي) يكتنفها الفراق والموت، حيث يبرز اسم الله (القهار والمميت) وربما هذا لا يوافق - كما يبدو - شمول رحمته تعالى المذكور في قوله ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾(الاعراف:156).
ولكن في الحقيقة هناك جهات عدة يظهر فيها الانسجام والموافقة الكاملة مع الرحمة الإلهية، نذكر منها جهة واحدة فقط وهي:
انه بعد انتهاء الاستعراض الرباني لكل طائفة من الطوائف، وبعد استحصال النتائج المقصودة من ذلك العرض، يتفضل الفاطر الرحيم والصانع الكريم على كل طائفة من الطوائف فيمنحهم رغبة في الراحة واشتياقاً اليها وميلاً الى الانتقال الى عالمٍ آخر، ويُسئمهم من الدنيا باشكال من النفور والسأم رحمةً بهم.
وحينما يُرخّصون من تكاليف الحياة ويُسّرحون من وظائفها، ينبّه سبحانه في أرواحهم رغبة قوية وحنيناً الى موطنهم الأصلي. وكما يمنح سبحانه مرتبة الشهادة لجندي بسيط يُقتل في سبيل اداء الخدمة ويهلك في مهمة الجهاد، وكما يمنح الشاة الأضحية وجوداً مادياً في الآخرة ويكافؤها بجعلها مطية كالبراق لصاحبها مارة به على الصراط المستقيم، فليس بعيداً من ذلك الرحمن الكريم ان يمنح لذوي الارواح والحيوانات ثواباً روحانياً يلائمهم وأجراً معنوياً يوافق استعدادهم، من خزينة رحمته الواسعة، بعد ما قاسوا المشقات وهلكوا أثناء اداء وظائفهم الفطرية الربانية الخاصة بهم، وعانوا ما عانوا في طاعتهم للاوامر السبحانية. وذلك لئلا يتألموا ألماً شديداً لدى تركهم الدنيا، بل يكونون راضين مرضيين.. ولا يعلم الغيب الاّ الله.
بيد أن الانسان الذي هو أشرف ذوي الارواح واكثرهم استفادة من هذا العيد - من حيث الكمية والنوعية - يوهب له برحمة من الله ولطف منه حالةً من الشوق الروحي تنفّره عن الدنيا التي ابتلي بها، كي يعبر الى الآخرة بأمان. فالانسان الذي لم تغرق انسانيته في