واوراقها، وملأ ما بين مبدئها ومنتهاها - البعيدين عن بعضهما بما لايحد - بصورٍ وخطوط تمثل اشكال اعضائها تماماً وتبرز صورها كاملة.. فلا يبقى ادنى شك في أن ذلك الرسام يشاهد تلك الشجرة الغيبية بنظره المطلع على الغيب ويحيط به علماً، ومن بعد ذلك يصوّرها.
فالقرآن المبين - كهذا المثال - ايضاً، فان بياناته المعجزة التي تخص حقيقة الموجودات (تلك الحقيقة التي تعود الى شجرة الخلق الممتدة من بدء الدنيا الى نهاية الآخرة والمنتشرة من الفرش الى العرش ومن الذرات الى الشموس) قد حافظت - تلك البيانات الفرقانية - على الموازنة والتناسب واعطت لكل عضو من الاعضاء ولكل ثمرة من الثمرات صورة تليق بها بحيث خَلُص العلماء المحققون - لدى اجراء تحقيقاتهم وابحاثهم - الى الانبهار والإنشداه قائلين: ما شاء الله.. بارك الله. ان الذي يحل طلسم الكون ويكشف معمّى الخلق انما هو أنت وحدك ايها القرآن الحكيم!
فلنمثل - ولله المثل الاعلى - الاسماء الإلهية وصفاتها الجليلة والشؤون الربانية وافعالها الحكيمة كأنها شجرة طوبى من نور تمتــد دائــرة عظــمتـها من الازل الى الابد، وتسع حدود كبريائها الفضاء المطلق غير المحدود وتحيط به. ويمتد مدى اجراءاتها من حدود ﴿فالق الحب والنوى﴾(الانعام:95) ﴿ويحوُل بين المرء وقلبه﴾ (الانفال:24) ﴿وهو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء﴾(آل عمران:6) الى ﴿خلق السموات والارض في ستة أيام﴾( هود:7) والى ﴿والسموات مطويات بيمينه﴾ (الزمر:67) والى ﴿وسخّر الشمس والقمر﴾(الزمر:5)
فنرى ان القرآن الكريم يبين تلك الحقيقة النورانية بجميع فروعها واغصانها وبجميع غاياتها وثمراتها بياناً في منتهى التوافق والانسجام بحيث لا تعيق حقيقةٌ حقيقةً اخرى ولا يفسد حكمُ حقيقةٍ حُكْماً لأُخرى، ولا تستوحش حقيقة من غيرها. وعلى هذه الصورة المتجانسة