وكل امة وكل بلد قد اخذ من جواهره ومن حقائقه، وما زال يأخذ.. على الرغم من هذا فلم تخل تلك الألفة، ولا تلك الوفرة، ولا مرور الزمان، ولا التحولات الهائلة، بحقائقه القيمة ولا باسلوبه الجميل، ولم تشيّبه ولم تتمكن من ان تفقِدهُ طراوته أو تسقط من قيمته أو تطفئ سنا جماله وحسنه.
ان هذه الحالة وحدها اعجاز أي اعجاز.
والآن اذا ما قام أحدٌ ونظم قسماً من الحقائق التي اتى بها القرآن حسب اهوائه وتصرفاته الصبيانية، ثم اراد أن يوازن بين كلامه وكلام القرآن بغية الاعتراض على بعض آياته وقال: لقد قلت كلاماً شبيهاً بالقرآن. فلا شك ان كلامه هذا يحمل من السخف والحماقة ما يشبه هذا المثال:
ان بنّاءً شيد قصراً فخماً، احجاره من جواهر مختلفة، ووضع تلك الاحجار في اوضاع وزينها بزينة ونقوش موزونة تتعلق بجميع نقوش القصر الرفيعة، ثم دخل ذلك القصر من يقصر فهمه عن تلك النقوش البديعة، ويجهل قيمة جواهره وزينته. وبدأ يبدّل نقوش الاحجار واوضاعها، ويجعلها في نظام حسب اهوائه حتى غدا بيتاً اعتيادياً.ثم جمّله بما يعجب الصبيان من خرز تافه، ثم بدأ يقول: انظروا ان لي من المهارة في فن البناء ما يفوق مهارة باني ذلك القصر الفخم، ولي ثروة اكثر من بنّاء القصر! فانظروا الى جواهري الثمينة! لا شك ان كلامه هذا هذيان بل هذيان مجنون ليس إلا.