﴿كذلك الخروج﴾ على وجه أفضل يتطلب منا وقتاً طويلاً فنكتفي بالاشارة اليه ونمضي الى شأننا:
ان القرآن يبسط مقدّمات ليرغم الكفار على قبول الحشر، لإنكارهم اياه في مستهل السورة. فيقول: افلا تنظرون الى السماء فوقكم كيف بنيناها، بناءً مهيباً منتظماً.. أوَلا ترون كيف زيّناها بالنجوم وبالشمس والقمر دون نقص او فطور..؟ أوَلا ترون كيف بسطنا الارض وفرشناها لكم بالحكمة، وثبتنا فيها الجبال لتقيها من مّد البحار واستيلائها؟ أوَلا ترون انا خلقنا فيها ازواجاً جميلة متنوعة من كل جنس من الخضراوات والنباتات، وزيّنا بها ارجاء الارض كافة؟ أوَلا ترون كيف ارُسلُ ماءً مباركاً من السماء فاُنبتُ به البساتين والزرع والثمرات اللذيذة من تمر ونحوه واجعله رزقاً لعبادي؟ أوَلا يرون انني احيي الارض الميتة، بذلك الماء. وآتي الوفاً من الحشر الدنيوي. فكما اُخرج بقدرتي هذه النباتات من هذه الارض الميتة، كذلك خروجكم يوم الحشر؛ اذ تموت الارض في القيامة وتبعثون انتم أحياء. فأين ما اظهرته الآية في اثبات الحشر من جزالة البيان ـ التي ما اشرنا إلا الى واحدة من الألف منها ـ واين الكلمات التي يسردها الناس لدعوى من الدعاوى؟.
* * *
لقد انتهجنا من اول هذه الرسالة الى هنا نهج المحايد الموضوعي في تحقيق قضية الاعجاز، وقد ابقينا كثيراً من حقوق القرآن مطوية مخفية مستورة، فكنا نعقد موازنة ننزل تلك الشمس منزلة الشموع، وذلك كله لكي نُخضع خصماً عاتياً لقبول اعجاز القرآن.
والآن وقد وفَّى التحقيق العلمي مهمته، واُثبت اعجاز القرآن اثباتاً ساطعاً. فنشير ببعض القول باسم الحقيقة لا باسم التحقيق العلمي، الى مقام القرآن، ذلك المقام العظيم الذي لا تسعه موازنة ولا ميزان.
نعم! ان نسبة سائر الكلام الى آيات القرآن، كنسبة صور النجوم المتناهية في الصغر التي تتراءى في المرايا، الى النجوم نفسها.