الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 589
(487-598)

الضياء الثاني
ان فلسفة البشر التي تحاول ان تتصدى لحكمة القرآن الكريم وتسعى لمعارضتها، قد سقطت وهوت امام حكمة القرآن السامية.. كما اوضحنا ذلك في (الكلمة الثانية عشرة) في اسلوب حكاية تمثيلية، واثبتناه اثباتاً قاطعاً في كلمات اخرى.
لذا نحيل الى تلك الرسائل، إلاّ اننا سنعقد هنا موازنة جزئية بسيطة بينهما من جانب آخر وهو جانب نظرتهما الى الدنيا؛ كالآتي:
ان فلسفة البشر وحكمته تنظر الى الدنيا على انها: ثابتة دائمة، فتذكر ماهية الموجودات وخواصها ذكراً مفصلاً مسهباً، بينما لو ذكرتْ وظائف تلك الموجودات الدالة على صانعها فانها تذكرها ذكراً مجملاً مقتضباً. أي انها تفصّل في ذكر نقوش كتاب الكون وحروفه، في حين لا تعير معناه ومغزاه اهتماماً كبـيراً.
أما القرآن الكريم فانه ينظر الى الدنيا، على أنها: عابرة سيّالة، خدّاعة سيّارة، متقلبة لا قرار لها ولا ثبات، لذا يذكر خواص الموجودات وماهياتها المادية الظاهرة ذكراً مجملاً مقتضباً، بينما يفصل تفصيلاً كاملاً لدى بيانه وظائفها التي تنمّ عن عبوديتها التي اناطها بها الصانع الجليل، ولدى بيانه مدى انقياد الموجودات للاوامر التكوينية الإلهية، وكيف وبأي وجه من وجوهها تدل على أسماء صانعها الحسنى.
ففي بحثنا هذا، سنلقي نظرة عجلى على الفرق بين نظرة الفلسفة ونظرة القرآن (الى الدنيا والموجودات) من حيث هذا الاجمال والتفصيل؛ لنرى اين يقف الحق الابلج والحقيقة الساطعة.
ان ساعتنا اليدوية التي يبدو عليها الاستقرار والثبات تنطوي على تغيرات وتبدلات واهتزازات عديدة، سواءً في حركات التروس الدائمة أو في اهتزازات الدواليب والآلات الدقيقة. فكما ان الساعة هكذا، فالدنيا كذلك، كأنها ساعة عظيمة أبدعتها القدرة الإلهية، فعلى الرغم من انها تبدو ثابتة مستقرة، فهي تتقلب وتتدحرج في تغيّر واضطراب دائمين، ضمن تيار الزوال والفناء؛ اذ لما حل (الزمان)

لايوجد صوت