تتوجه الى صانعها الجليل، فان تلك التغيرات والحركات تغدو حركات قلم القدرة الإلهية لدى كتابتها رسائل صمدانية على صفحة الوجود وتصبح تبدلات الاحوال مرايا متجددة تعكس انوار تجليات الاسماء الإلهية الحسنى، وتبين شؤونها الحكيمة وتصفها بأوصاف متنوعة مختلفة لائقة بها.
وهكذا فالدنيا من حيث انها دنيا، متوجهة نحو الفناء والزوال، وساعية سعياً حثيثاً نحو الموت والخراب، ومتزلزلة متبدلة باستمرار. فهي عابرة راحلة كالماء الجاري في حقيقة امرها. إلاّ أن الغفلة عن الله اظهرت ذلك الماء جامداً ثابتاً، وبمفهوم (الطبيعة) الماديّ تعكّر صفوه وتلوث نقاؤه، حتى غدت الدنيا ستاراً كثيفاً يحجُب الآخرة.
فالفلسفة السقيمة؛ بتدقيقاتها الفلسفية وتحرياتها، وبمفهوم الطبيعة المادي، وبمغريات المدنية السفيهة الفاتنة، وهوساتها وعربدتها.. كثّفت تلك الدنيا وزادتها صلابة وتجمداً، وعمّقت الغفلة في الانسان، وضاعفت من لوثاتها وشوائبها حتى أنستْه الصانع الجليل والآخرة البهيجة.
أما القرآن الكريم، فانه يهزّ هذه الدنيا - وتلك حقيقتهاــ هزاً عنفياً - من حيث انها دنيا - حتى يجعلها كالعهن المنفوش، وذلك في قوله تعالى: ﴿القارعة ما القارعة..﴾ و ﴿ اذا وقعت الواقعة.. ﴾ و ﴿ والطور وكتاب مسطور.. ﴾ وامثالها من الآيات الجليلة.
ثم انه يمنح الدنيا شفافية وصفاءً رائقاً مزيلاً عنها الشوائب والاكدار، وذلك ببياناتها الرائعة في قوله تعالى: ﴿أوَ لم ينظروا في ملكوت السموات والارض.. ﴾ (الاعراف:185) ﴿أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها.. ﴾(ق:6) ﴿أوَلم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقاً...﴾(الانبياء:30) وامثالها من الآيات الحكيمة.
ثم انه يذيب تلك الدنيا الجامدة بنظر الغفلة عن الله بعباراته النورانية اللامعة في قوله تعالى: ﴿الله نورُ السموات والارض...﴾ ﴿وما