الكلمات | الذيل الثاني | 611
(609-627)

وهم معظم المخاطبين - تمنح في الوقت نفسه حصة وافرة لأعلى المستويات الفكرية ولأرقى الطبقات العقلية، فلا يهب لمخاطبيه شيئاً من ارشاداته وحدها، ولا يخصهم بعبرة من حكاية تأريخية فقط، بل يخاطب مع ذلك كل طبقة في كل عصر - لكونها فرداً من افراد دستور كلي - خطاباً ندياً طرياً جديداً كأنه الآن ينزل عليهم.
ولا سيما كثرة تكراره: (الظالمين... الظالمين..) وزجره العنيف لهم وانذاره الرهيب من نزول مصائب سماوية وأرضية بذنوبهم ومظالمهم، فيلفت الأنظار - بهذا التكرار - الى مظالم لا نظير لها في هذا العصر، بعرضه أنواعاً من العذاب والمصائب النازلة على قوم عاد وثمود وفرعون. وفي الوقت نفسه يبعث السلوان والطمأنينة الى قلوب المؤمنين المظلومين، بذكره نجاة رسل كرام امثال ابراهيم وموسى عليهما السلام.
ثم ان هذا القرآن العظيم يرشد كل طبقة من كل عصر ارشاداً واضحاً باعجاز رائع مبيناً:
ان (الازمنة الغابرة) والعصور المندثرة التي هي في نظر الغافلين الضالين واد من عدم سحيق موحش رهيب، ومقبرة مندرسة أليمة كئيبة، يعرضها صحيفة حية تطفح عبراً ودروساً، وعالماً عجيباً ينبض بالحياة ويتدفق بالحيوية من أقصاه الى أقصاه، ومملكِة ربانية ترتبط معنا بوشائج وأواصر فيبينها - باعجازه البديع - واضحة جليلة كأنها مشهودة تعرض أمامنا على شاشة، فتارة يأتي بتلك العصور ماثلة شاخصة أمامنا، وتارة يأخذنا الى تلك العصور.
ويبين بالاعجاز نفسه (الكون) الذي يراه الغافلون فضاء موحشاً بلا نهاية، وجمادات مضطربة بلا روح تتدحرج في دوامة الفراق والآلام، يبينه القرآن: كتاباً بليغاً، كتبه الأحد الصمد، ومدينة منسقة عمرها الرحمن الرحيم، ومعرضاً بديعاً أقامه الرب الكريم لإشهار مصنوعاته. فيبعث بهذا البيان حياة في تلك الجمادات، ويجعل بعضها يسعى لإمداد الآخر، وكل جزء يغيث الآخر ويعينه، كأنه يحاوره محاورة ودية صميمة، فكل شئ مسخر وكل شئ انيط به وظيفة

لايوجد صوت