الكلمات | الذيل الثاني | 614
(609-627)

العظيمة الهائلة لايعد نقصاً في البلاغة قط، بل هو اعجاز في غاية الروعة والإبداع، وبلاغة في غاية العلو والرفعة، وجزالة - بل فصاحة - مطابقة تطابقاً تاماً لمقتضى الحال، فعلى سبيل المثال:
 ان جملة ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ﴾ هي آية واحدة تتكرر مائة واربع عشرة مرة في القرآن الكريم ذلك لأنها حقيقة كبرى تملأ الكون نوراً وضياء وتشد الفرش بالعرش برباط وثيق - كما بيناها في اللمعة الرابعة عشرة - فما من أحد إلاّ وهو بحاجة مسيسة الى هذه الحقيقة في كل حين، فلو تكررت هذه الحقيقة العظمى ملايين المرات، فالحاجة ما زالت قائمة باقية لا ترتوي. اذ ليست هي حاجة يومية كالخبز، بل هي ايضاً كالهواء والضياء الذي يُضطر اليه ويشتاق كل دقيقة.
 وان الآية الكريمة ﴿وان ربك لهو العزيز الرحيم﴾ تتكرر ثماني مرات في سورة (الشعراء). فتكرار هذه الآية العظيمة التي تنطوي على الوف الحقائق في سورة تذكُر نجاة الأنبياء عليهم السلام وعذاب اقوامهم، انما هو لبيان:
ان مظالم اقوامهم تمس الغاية من الخلق، وتتعرض الى عظمة الربوبية المطلقة، فتقتضي العزة الربانية عذابَ تلك الأقوام الظالمة مثلما تقتضي الرحمة الإلهية نجاة الأنبياء عليهم السلام. فلو تكررت هذه الآية الوف المرات لما انقضت الحاجة والشوق اليها، فالتكرار هنا بلاغة راقية ذات اعجاز وايجاز.
 وكذلك الآية الكريمة ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ المكررة في سورة (الرحمن) والآية الكريمة ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ المكررة في سورة (المرسلات) تصرخ كل منهما في وجه العصور قاطبة وتعلن اعلاناً صريحاً في اقطار السموات والأرض أن كفر الجن والأنس وجحودهم بالنعم الإلهية، ومظالمهم الشنيعة، يثير غضب الكائنات ويجعل الأرض والسموات في حنق وغيظ عليهم... ويخل بحكمة خلق

لايوجد صوت