سياق الكلام تفيدان، بأن هذه السياحة الجزئية، فيها من السير العمومي والعروج الكلي بحيث انه y قد سَمِع وشاهَدَ كلَّ ما لاقى بَصَره وسمعَه من الآيات الربانية، وبدائع الصنعة الآلهية أثناء ارتقائه في المراتب الكلية للاسماء الإلهية الحسنى البالغة إلى سدرة المنتهى، حتى كان قاب قوسين او أدنى. مما يدل على أن هذه السياحة الجزئية هي في حُكم مفتاحٍ لسياحةٍ كليةٍ جامعة لعجائب الصنعة الإلهية.
واذا كان الضمير راجعاً الى الله سبحانه وتعالى، فالمعنى يكون عندئذٍ هكذا:
إنه سبحانه وتعالى دعا عبدَه الى حضوره والمثول بين يديه لينيط به مهمةً ويكلّفه بوظيفة، فاسرى به من المسجد الحـرام الى المســجـد الأقـصى الذي هـو مـجمع الانبياء. وبعد اجراء اللقاء معهم واظهاره بأنه الوارث المطلق لأصول أديان جميع الأنبياء، سَيَّره في جولةٍ ضمن مُلكه وسياحةٍ ضمن ملكوته، حتى أبلغه سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى.
وهكذا فان تلك السياحة أو السير، وإن كانت معراجاً جزئياً وأن الذي عُرِج به عبدٌ، إلاّ ان هذا العبد يحمل امانة عظيمة تتعلق بجميع الكائنات، ومعه نور مبين ينير الكائنات ويبدّل معنى ملامحها ويصبغها بصبغته. فضلاً عن أن لديه مفتاحاً يستطيع ان يفتح به باب السعادة الأبدية والنعيم المقيم.
فلأجل كل هذا يصف الله سبحانه وتعالى نفسَه بـ﴿إنَّه هو السّميعُ البَصيرُ﴾ كي يُظهِر ان في تلك الأمانة وفي ذلك النور وفي ذلك المفتاح، من الحِكَم السامية ما يشمل عموم الكائنات، ويعم جميع المخلوقات، ويحيط بالكون اجمع.
هذا وان لهذا السر العظيم اربعة اسس:
اولها: ما سر لزوم المعراج؟
ثانيـها: ما حقيـقة المعراج؟
ثالـثها: ما حـكمة المعراج؟