الكلمات | الموقف الثالث | 876
(867-904)

يستـصرخ ويستـنـجد فلم يشفق عليه احد؛ لأنه تصور أصدقاءه الطيبين حيوانات شرسة، فحقرهم وأهانهم.. وتوهم الاطعمة اللذيذة والاواني النظيفة التي في صالة الضيافة أحجاراً ملوثة، فباشر بتحطيمها.. وظن الكتب القيمة والرسائل النفيسة في المجلس نقوشاً عادية وزخارف لا معنى لها، وشرع بتمزيقها ورميها تحت الاقدام.. وهكذا.
فكما لا يكون هذا الشخص - وأمثاله - أهلاً للرحمة ولا يستحق الرأفة، بل يستوجب التأديب والتأنيب، كذلك الحال مع مَن يتوهم بسُكر الكفر وجنون الضلالة الناشئين من سوء اخيتاره أن الدنيا التي هي مضيف الصانع الحكيم لعبةَ المصادفة العمياء، وألعوبة الطبيعة الصماء.. ويتصور تجديد المصنوعات لتجليات الاسمآء الحسنى وعبورها الى عالم الغيب مع تيار الزمن، بعد أن أنهت مهامها واستنفدت أغراضها كأنها تصب في بحر العدم ووادي الانعدام وتغيب في شواطىء الفناء.. ويتخيل أصوات التسبيح والتحميد التي تملأ الاكوان والعوالم أنيناً ونواحاً يطلقه الزائلون الفانون في فراقهم الابدي.. ويحسب صحائف هذه الموجودات التي هي رسائل صمدانية رائعة خليطاً لا معنى له ولا مغزى.. ويخال باب القبر الذي يفتح الطريق الى عالم الرحمة الفسيح نفقاً يؤدي الى ظلمات العدم.. ويتصور الأجَل الذي هو دعوة الوصال واللقاء بالاحباب الحقيقيين أوان فراق الاحبة جميعهم!.
نعم! ان الذي يعيش في دوامة هذه التصورات والاوهام يلقي نفسه في أتون عذاب دنيوي أليم، ففضلاً عن أنه لا يكون أهلاً لرحمة ولا لرأفة، يستحق عذاباً شديداً، لتحقيره الموجودات - باتهامها بالعبثية - وتزييفه الاسماء الحسنى - بانكار تجلياتها - وانكاره الرسائل الربانية بردّه شهاداتها على الوحدانية.
فيا أيها الضالون السفهاء، ويا أيها التعساء الاشقياء!
تُرى هل يُجدي أعظم علومكم، وأعلى صروح حضارتكم وأرقى

لايوجد صوت