فمن أين سيعرف هذا الأدب؛ الحسنَ المجرد.
حتى لو أراد ان يُري القارئ الشمسَ؛ فانه يذّكره بممثلة شقراء حسناء.
وهو في الظاهر يقول: (السفاهة عاقبتها وخيمة، لا تليق بالانسان)..
ثم يبين نتائجها المضرة..
الاّ انه يصورها تصويراً مثيراً الى حد يسيل منه اللعاب، ويفلت منه زمام العقل، اذ يضرم في الشهوات، ويهيج النزوات. حتى لا يعود الشعور ينقاد لشئ.
اما أدب القرآن الكريم:
فانه لا يحرك ساكن الهوى، لا يثيره، بل يمنح الانسان الشعور بنشدان الحق وحبه، والافتتان بالحسن المجرد، وتذوّق عشق الجمال، والشوق الى محبة الحقيقة.. ولا يخدع أبداً.
فهو لا ينظر الى الكائنات من زاوية الطبيعة، بل يذكرها صنعة إلهية، صبغة رحمانية، دون ان يحير العقول.
فيلقّن نور معرفة الصانع..
ويبين اياته في كل شئ..
والأدبان.. كلاهما يورثان حزناً مؤثراً. الاّ انهما لا يتشابهان.
فما يورثه أدب الغرب هو حزن مهموم، ناشئ من فقدان الأحباب، وفقدان المالك. ولا يقدر على منح حزن رفيع سامٍ .
اذ استلهام الشعور من طبيعة صماء، وقوة عمياء يملاؤه بالالام والهموم حتى يغدو العالم مليئاً بالاحزان، ويلقي الانسان وسط اجانب وغرباء دون أن يكون له حامٍ ولامالك! فيظل في مأتمه الدائم..
وهكذا تنطفىء أمامه الآمال.
فهذا الشعور الملئ بالأحزان والآلام يهيمن على كيان الانسان، فيسوقه الى الضلال، والى الالحاد، والى انكار الخالق.. حتى يصعب عليه العودة الى الصواب، بل قد لا يعود أصلاً.