حُسن الخلق وحُسن التفكير والفكر الجميل الذي لا يريه الا الجهة الجميلة من الأشياء. ولهذا السبب فقد فكّر هكذا: أن هذه الأمور العجيبة ذات علاقات مترابطة بعضها ببعض، وأنها لتظهر كأن آمراً واحداً يحركها؛ فلابد اذن أن يكون في هذه الأعمال المحيرة سرّ مغلق وطلسم غير مكشوف.
أجل! ان كل هذا يرجع الى أوامر حاكم خفي، فأنا اذن لست وحيداً، بل ان ذلك الحاكم الخفي ينظر اليّ ويرعاني ويختبرني، ولحكمة مقصودة يسوقني الى مكان، ويدعونني اليه. فنشأ لديه من هذا التفكير الجميل والخوف اللذيذ شوقٌ أثار هذا السؤال: مَن يكون يا ترى هذا الذي يجرّبني ويريد أن يعرّفني نفسه؟ ومَن هذا الذي يسوقني في هذا الطريق العجيب الى غاية هادفة؟ ثم نشأ من الشوق الى التعرف محبة صاحب الطلسم، ونمت من تلك المحبة رغبة حل الطلسم، ومن تلك الرغبة انبثقت رغبة اتخاذ وضع جميل وحالة مقبولة لدى صاحب الطلسم حسب ما يحبه ويرضاه.
ثم نظر أعلى الشجرة فرأى أنها شجرة تين، غير أن في نهاية أغصانها آلاف الأنواع من الأثمار والفواكه، وعندها ذهب خوفه وزال نهائياً، لأنه علم علماً قاطعاً بأن شجرة التين هذه انما هي فهرس ومعرض، حيث قلد الحاكم الخفي نماذخ ما في بستانه وجناته بشكل معجز عليها وزيّنها بها، اشارةً لما أعدّه من أطعمة ولذائذ لضيوفه.. وإلا فان شجرة واحدة لن تعطي أثمار آلاف الأشجار. فلم يرَ أمامه الاّ الدعاء والتضرع، فألح متوسلاً بانكسار الى أن اُلهم مفتاح الطلسم فهتف قائلاً:
(يا حاكم هذه الديار والآفاق! التجئ اليك وأتوسل وأتـضرع، فانا لك خادم، أريد رضاك وأنا أطلبك وأبحث عنك)..
فانشق جدار البئر فجأة بعد هذا الدعاء، عن باب يفتح الى بستان فاخر طاهر جميل، وربما انقلب فم ذلك الثعبان الى ذلك الباب واتخذ كل من الأسد والثعبان صورة الخادم وهيأته.. فأخذا يدعوانه الى البستان حتى أن ذلك الأسد تقمص شكل حصان مسخّر بين يديه.