الكلمات | الكلمة الثامنة | 41
(37-44)

فيا نفسي الكسلى! ويا صاحبي في الخيال..
تعالا لنوازن بين أوضاع هذين الأخوين كي نعلم كيف أن الحسنة تجلب الحسنة وأن السيئة تأتي بالسيئة.
ان المسافر الشقي الى جهة الشمال معرّض في كل آن أن يلج في فم الثعبان فهو يرتجف خوفاً وهلعاً. بينما هذا السعيد يُدعى الى بستان أنيق بهيج مثمر بفواكه شتى.. وان قلب ذلك الشقي يتمزق في خوف عظيم ورعب أليم بينما هذا السعيد يرى غرائب الأشياء وينظر اليها بعبرة حلوة وخوف لذيذ ومعرفة محبوبة.. وان ذلك الشقي المسكين ليعاني من الوحشة واليأس واليتم عذاباً وأي عذاب! بينما هذا السعيد يتلذذ في الأنس ويترفل في الأمل والشوق.. ثم ان ذلك المنكود يرى نفسه محكوماً عليه ـ كالسجين ـ بهجمات الحشرات المؤذية، بينما هذا السعيد المحظوظ يتمتع متعة ضيف عزيز. وكيف لا وهو ضيف عند مضيّف كريم، فيستأنس مع عجائب خدمه. ثم أن ذلك السئ الحظ ليعجّل عذابه في النار بأكله مأكولات لذيذة الطعم ظاهراً ومسمومة حقيقةً ومعنىً، اذ ان تلك الفواكه ما هي الاّ نماذج، قد اُذن للتذوق منها فحسب ليكون طالباً لحقائقها وأُصولها ويكون شاريها الأصيل وإلاّ فلاسماح للشراهة منها كالحيوان. أما هذا السعيد المحمود فانه يتذوق منها اذ يعي الأمر، مؤخِّراً أكلها وملتذاً بالانتظار.. ثم ان ذلك الشقي يكون قد ظلم نفسه بنفسه؛ جاراً عليها وضعاً مظلماً وأوهاماً ذات ظلمات حتى كأنه في جحيم، بانعدام بصيرته عن حقائق ساطعة كالنهار وأوضاع جميلة باهرة، فلا هو مستحق للشفقة ولا له حق الشكوى، مَثَله في هذا مثل رجل وسط أحبائه في موسم الصيف وفي حديقة جميلة بهيجة في وليمة طيبة للأفراح، فلعدم قناعته بها راح يرتشف كؤوس الخمر ـ أم الخبائث ـ حتى أصبح سكيراً ثملاً؛ فشرع بالصراخ والعويل، وبدأ بالبكاء، ظاناً نفسه أنه في قلب الشتاء القارس، ومتصوراً أنه جائع وعار وسط وحوش مفترسة. فمثلما أن هذا الرجل لا يستحق الشفقة والرأفة، اذ ظلم نفسه بنفسه متوهماً أصدقاءه وحوشاً، محتقراً لهم.. فكذلك هذا المشؤوم.

لايوجد صوت