فانظر الى المبعوث الكريم، صاحب الأوسمة الرفيعة الذي شاهدناه في الجزيرة - من قبل - انه يبلّغ أمراً الى الحشود الغفيرة التي تتراءى لنا على بُعد. فهيّا نذهب ونصغيِ اليه.. انتبه! فها هو يُفسّر للملأ البلاغ السلطاني الرفيع ويوضحه قائلاً لهم:
(تهيأوا! سترحلون الى مملكة اخرى خالدة، ما اعظمها من مملكة رائعة! ان مملكتنا هذه تعدّ كالسجن بالنسبة لها. فاذا ما اصغيتم الى هذا الامر بامعان، ونفّذتموه باتقان ستكونون اهلاً لرحمة سلطاننا واحسانِه في مستقره الذي تتجهون اليه، والا فالزنزانات الرهيبة مثواكم جزاء عصيانكم الأمر وعدم اكتراثكم به)..
انه يذكّر الحاضرين بهذا البلاغ، وانت ترى على ذلك البلاغ العظيم ختمَ السلطان الذي لا يُقلّد. والجميع يدركون يقيناً - إلا أمثالك من العميان - ان ذلك المبعوث المجلل بالأوسمة الرفيعة هو مبلِّغ أمين لأوامر السلطان، بمجرد النظر الى تلك الأوسمة.
فيا ترى هل يمكن الاعتراض على مسألة تبديل هذه المملكة التي يدعو اليها ذلك المبعوث الكريم بكل ما أوتي من قوة، ويتضمنه البلاغ الملكي السامي؟ كلا.. لا يمكن ذلك أبداً، اِلا اذا انكرتَ جميع ما تراه من أمور وحوادث.
فالآن ايها الصديق! لك أن تقول ما تشاء.
ماذا عساي أن أقول؟ وهل بقي مزيد من قول لقائل امام هذه الحقائق! وهل يقال للشمس وهي في كبد السماء، اين هي؟. ان كل ما أريد أن أقوله هو: الحمد لله، وألف شكر وشكر، فقد نجوت من قبضة الأوهام والاهواء، وتحررت من أسار النفس والسجن الابدي، فآمنت بأن هناك دار سعادة عند السلطان المعظم، ونحن مهيأون لها بعد هذه الدار الفانية المضطربة.
وهكذا تمت الحكاية التي كانت كناية عن الحشر والقيامة. والآن ننتقل بتوفيق العلي القدير الى الحقائق العليا، فسنبينها في (اثنتي عشرة حقيقة) وهي متسانده مترابطة مقابل الصور الاثنتي عشرة، بعد ان نمهد لها بمقدمة.