اذن، فلصانع هذا العالم كمال فائق عظيم مثير للاعجاب، خفي مستتر، فهو يريد اظهاره بهذه المصنوعات البديعة، لأن الكمال الخفي الذي لا نقص فيه ينبغي الاعلان عنه على رؤوس اشهادٍ مقدّرين مستحسنين معجبين به. وان الكمال الدائم يقتضي ظهوراً دائماً، وهذا بدوره يستدعى دوام المستحسنين المعجبين، اذ المعجب الذي لا يدوم بقاؤه تسقط في نظره قيمة الكمال(2).
ثم ان هذه الموجودات العجيبة البديعة الدقيقة الرائعة المنتشرة في هذا الكون تدل بوضوح - كدلالة ضوء النهار على وجود الشمس - على محاسن الجمال المعنوي الذي لا مثيل له، وتريك كذلك لطائف الحسن الخفي الذي لا نظير له(3). وان تجلي ذلك الحُسن الباهر المنزّه، وذلك الجمال الزاهر المقدس يشير الى كنوز كثيرة خفية موجودة في الاسماء الحسنى، بل في كل اسم منها.
ومثلما يطلب هذا الجمال الخفي السامي الذي لا مثيل له، أن يرى محاسنه في مرآة عاكسة ويشهد قِيَم حُسنه ومقاييس جماله في مرآة ذات مشاعر وأشواق اليه، فانه يريد الظهور والتجلي ليرى جماله المحبوب ايضاً بأنظار الآخرين. أي أن النظر الى جمال ذاته يستدعي أن يكون من جهتين:
الاولى: مشاهدة الجمال بالذات في المرايا المختلفة المتعددة الالوان.
والاخرى: مشاهدة الجمال بنظر المشاهدين المشتاقين المعجبين المستحسنين.
(2) نعم لقد ذَهَب مثلاً: أن حسناء بارعةَ الجمال طردت احدَ المعجبين بها، فقال هذا المعجب مسلياً نفسه: تبّاً لها ما أقبحها.. منكراً جمال تلك الجميلة. وذات يوم مرّ دُب تحت شجرة عنب ذات عناقيد لذيذة، فأراد أن يأكل من ذلك العنب الحلو، ولّما لم تصل يده اليه، وعجز عن التسلق، قال متمتماً: انه حامض، فسلى نفسه.. ومضى في طريقه.ــ المؤلف.
(3) ان الموجودات الشبيهة بالمرايا مع أنها تتعاقب بالزوال والفناء فان وجود تجليات الجمال نفسه والحسن عينه في وجهها، وفي التي تعقبها، يدل على أن ذلك الجمال ليس ملكاً لها، بل هو آيات حسنٍ منزّه، وامارات جمالٍ مقدّس. ــ المؤلف.