هذا الربيع من حياة، كذلك شجرة الكائنات، وكلُّ غصنٍ منه وكلُّ فرعٍ، له ماضيه ومستقبله، وله سلسلة مؤلفة من الاطوار والاوضاع، القابلة والماضية، ولكلّ نوعٍ ولكلّ جزء منه وجودٌ متعدد بأطوار مختلفة في العلم الإلهي، مشكلاً بذلك سلسلةَ وجودٍ علمي. والوجود العلمي هذا، الشبيه بالوجود الخارجي هو مظهرٌ لتجلٍ معنوي للحياة العامة، حيث تؤخذ المقدرات الحياتية من تلك الالواح القدرية الحية ذات المغزى العظيم.
نعم، ان امتلاء عالم الارواح - وهو نوع من عالم الغيب - بالارواح التي هي عين الحياة، ومادتها، وجوهرها وذواتها، يستلزم ان يكون الماضي والمستقبل - وهما نوعان من عالم الغيب وقسم ثان منه - متجلّية فيهما الحياة.. وكذا فان الانتظام التام والتناسق الكامل في الوجود العلمي الإلهي لأوضاع ذات معانٍ لطيفة لشئ ما ونتائجَه واطوارَه الحيوية ليبيّن ان له اهلية لنوع من الحياة المعنوية.
نعم، ان مثل هذا التجلي، تجلي الحياة الذي هو ضياء شمس الحياة الازلية لن ينحصر في عالم الشهادة هذا فقط، ولا في هذا الزمان الحاضر، ولا في هذا الوجود الخارجي، بل لابد أن لكل عالم من العوالم مظهراً من مظاهر تجلي ذلك الضياء حسب قابليته. فالكونُ اذن بجميع عوالمه، حيّ ومشع مضئ بذلك التجلي، وِالاّ لأصبح كل من العوالم - كما تراه عين الضلالة - جنازة هائلة مخيفة تحت هذه الدنيا المؤقتة الظاهرة، وعالماً خرباً مظلماً.
وهكذا يُفهم وجهٌ من أوجه الايمان بالقضاء والقدر من سر الحياة ويثبت به ويتضح. أي كما تظهر حيوية عالم الشهادة والموجودات الحاضرة بانتظامها وبنتائجها، كذلك المخلوقات الماضية والآتية التي تعدّ من عالم الغيب لها وجود معنوي، ذو حياة معنى، ولها ثبوت علمي ذو روح بحيث يظهر باسم المقدرات اثر تلك الحياة المعنوية بوساطة لوح القضاء والقدر.