تناسل الانسان - مثلاً - مخجل فيما يتبادله من أحاديث مع الآخرين. فهذا الخجل منحصر في وجهه المتوجه للانسان، الاّ أن أوجهه الأخرى، أي من حيث الخلقة ومن حيث الاتقان ومن حيث الغايات التي وجد لأجلها، موضع أعجاب وتدبر.. فكلُّ من هذه الأوجه التي فطر عليها إنما هي وجهٌ جميل من أوجه الحكمة، واذا هي - بهذا المنظار - محض أدب لا يخدش الحديث عنها الذوق والحياء..
حتى أن القرآن الكريم - الذي هو منبع الأدب الخالص - يضم بين سوره تعابير تشير إشارات في غاية اللطف والجمال الى هذه الوجوه الحكيمة والستائر اللطيفة، فما نراه قبحاً في بعض المخلوقات، والآلام والأحزان التي تخلفها بعض الأحداث والوقائع اليومية لا تخلو أعماقُها قطعاً من أوجه جميلة، وأهداف خيرة، وغايات سامية، وحكم خبيئة، تتوجه بكل ذلك الى خالقها الكريم كما قدّر وهدى وأراد. فالكثير من الامور التي تبدو - في الظاهر - مشوشة مضطربة ومختلطة، إن انعمتَ النظر الى مداخلها طالعتك - من خلالها - كتابات ربانية مقدسة رائعة، وفي غاية الجمال والانتظام والخير والحكمة.
النقطة الثالثة:
قال تعالى ﴿قل إن كنتم تُحبّون الله فاتّبعوني يُحْببكُم الله﴾(آل عمران:31)
ما دام حسن الصنعة موجوداً في الكون، وهو أمر قطعي كما يشاهد، يلزم اذاً ثبوت الرسالة الأحمدية عليه الصلاة والسلام بقطعية يقينية بدرجة الشهود؛ لأن حسن الصنعة وجمال الصورة في هذه المصنوعات، يدلان على أن في صانعها إرادة تحسين وطلب تزيين في غاية القوة، وان ارادة التحسين وطلب التزيين يدلان على أن في صانعها محبة علوية ورغبة قدسية لإظهار كمالات صنعته التي في مصنوعاته، وان تلك المحبة والرغبة تقتضيان قطعاً تمركزهما في اكمل وأنور المصنوعات وأبدعها، الا وهو الانسان. ذلك لأن الانسان هو الثمرة المجهّزة بالشعور والادراك لشجرة الخلق، وان الثمرة هي