اجمع جزء وأبعده من جميع اجزاء تلك الشجرة، وله نظر عام وشعور كلي.
فالفرد الذي له نظر عام، وشعور كلي هو الذي يصلح ان يكون المخاطب للصانع الجميل والماثل في حضوره، ذلك لأنه يصرف كل نظره العام وعموم شعوره الكلي الى التعبد لصانعه والى استحسان صنعته وتقديرها والى شكر آلائه ونعمه.. فبالبداهة يكون ذلك الفرد الفريد هو المخاطب المقرب والحبيب المحبوب.
والآن تشاهَد لوحتان ودائرتان:
احداهما: دائرة ربوبية في منتهى الانتظام وغاية الروعة والهيبة ولوحة صنعة بارعة الجمال وفي غاية الاتقان.
والاخرى: دائرة عبودية منوّرة مزهّرة للغاية، ولوحة تفكر واستحسان وشكر وايمان في غاية الجامعية والسعة والشمول، بحيث ان دائرة العبودية هذه تتحرك بجميع جهاتها باسم الدائرة الاولى وتعمل بجميع قوتها لحسابها.
وهكذا يفهم بداهة أن رئيس هذه الدائرة الذي يخدم مقاصد الصانع المتعلقة بمصنوعاته تكون علاقته مع الصانع قوية متينة، ويكون لديه محبوباً مرضياً عنده.
فهل يقبل عقلٌ الاّ يبالي ولا يهتم صانع هذه المصنوعات المزينة بانواع المحاسن ومنعم هذه النعم، المراعي لدقائق الاذواق حتى في أفواه الخلق، هل يعقل الاّ يبالي بمثل هذا المصنوع الأجمل الاكمل، المتوجه اليه بالتعبد، والاّ يهتم بمثل هذا المخلوق الذي هزّ العرش والفرش بتهليلات استحسانه وتكبيرات تقديراته لمحاسن صنعة ذلك الصانع، فاهتزّ البر والبحر انتشاءً من نغمات حمده وشكره وتكبيراته لنعم ذلك الفاطر الجليل؟ وهل يمكن الاّ يتوجه اليه؟ وهل يمكن الاّ يوحي اليه بكلامه؟ وهل يمكن الاّ يجعله رسولاً؟ والاّ يريد ان يسري خُلُقه الحسن وحالاته الجميلة الى الخلق اجمعين؟
كلا! بل لا يمكن ألاّ يمنحه كلامه والاّ يجعله رسولاً للناس كافة .