الكلمات | المقام الثاني | 334
(324-346)

رخيص واستخفاف لا يليق بتلك الارواح الموقرة الجادة، التي تعمر عالماً كله جدّ لا هزل فيه، بل يمكن تحضيرالارواح بمثل ما قام به اولياء صالحون لأمر جاد ولقصد نبيل هادف - من امثال محي الدين بن عربي - الذين كانوا يقابلون تلك الارواح الطيبة متى شاؤا، فاصبحوا هم منجذبين اليها ومنجلبين لها ومرتبطين معها ومن ثم الذهاب الى مواضعها والتقرب الى عالمها والاستفادة من روحانياتها، فهذا هو الذي تشير اليه الآيات الكريمة وتُشعر في اشارتها حضاً وتشويقاً للانسان وتخطّ اقصى الحدود النهائية لمثل هذه العلوم والمهارات الخفية، وتعرض أجمل صوره وأفضلها.
 ومثلاً:﴿إنّا سخّرنا الجبالَ معه يسبّحنَ بالعشيّ والإشراق﴾ (ص:18).
﴿يا جبالُ أوّبي مَعَه والطيرَ وألنّا له الحديد﴾ (سبأ:10).
﴿عُلِّمنا منطقَ الطير..﴾(النمل:16).
هذه الآيات الكريمة التي تذكر معجزات سيدنا داود عليه السلام تدل على أن الله سبحانه قد منح تسبيحاته واذكاره من القوة العظيمة والصوت الرخيم والأداء الجميل ما جعل الجبال في وجدٍ وشوق، وكأنها حاكٍ عظيم تردد تسبيحاتٍ واذكاراً. أو كأنها انسان ضخم يسبّح في حلقة ذكر حول رئيس الحلقة.
اتُراك هذه حقيقة؟ وهل يمكن ان يحدث هذا فعلاً؟!
نعم! انها لحقيقة قاطعة، أليس كل جبل ذي كهوف يمكن ان يتكلم مع كل انسان بلسانه، ويردد كالببغاء ما يذكره؟ فان قلت (الحمد لله) أمام جبل،فهو يقول ايضاً: (الحمد لله) وذلك برجع الصدى.. فما دام الله سبحانه وتعالى قد وهب هذه القابلية للجبال، فيمكن اذاً أن تنكشف هذه القابلية وتنبسط اكثر من هذا. وحيث ان الله سبحانه قد خص سيدنا داود عليه السلام بخلافة الأرض فضلاً عن رسالته، فقد كشف بذرة تلك القابلية لديه ونماها وبسطها بسطاً معجزاً عنده، بما يلائم شؤون الرسالة الواسعة والحاكمية العظيمة، حتى غدت الجبال الشم الرواسي منقادة اليه كأي جندي مطيع لأمره، وكأي صانع أمين لديه، وكأي

لايوجد صوت