الكلمات | المقام الثاني | 337
(324-346)

عن ان هذا الذكر السامي يسوقك الى انبساط قابليات ومواهب كانت مغمورة في ماهيتك، فتحول بينك وبين السقوط من ماهية الانسان السامية ومقامه الرفيع، فلا تجذبك بعدُ اضراب اللهو التي لا مغزى لها الى حضيض الهاوية.
 ومثلاً: ﴿قلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على ابراهيم﴾ (الانبياء:69).
هذه الآية الكريمة تبين معجزة سيدنا ابراهيم عليه السلام، وفيها ثلاث اشارات لطيفة:
أولاها: النار - كسائر الاسباب - ليس أمرها بيدها، فلا تعمل كيفما تشاء حسب هواها وبلا بصيرة، بل تقوم بمهمتها وفق أمر يُفرض عليها. فلم تحرق سيدنا ابراهيم لانها أُمرت بعدم الحرق.
ثانيتها: ان للنار درجة تحرق ببرودتها، أي تؤثر كالاحتراق. فالله سبحانه يخاطب البرودة بلفظة:(سلاماً)(1) بأن لا تحرقي انتِ كذلك ابراهيم، كما لم تحرقه الحرارة. أي أن النار في تلك الدرجة تؤثر ببرودتها كأنها تحرق، فهي نار وهي برد.
نعم ان النار - كما في علم الطبيعيات - لها درجات متفاوتة، منها درجة على صورة نار بيضاء لا تنشر حرارتها بل تكسب مما حولها من الحرارة، فتجمد بهذه البرودة ما حولها من السوائل، وكأنها تحـرق ببرودتــها. وهكـذا الزمهــرير لـون من الوان النار تحرق ببرودتها، فوجوده اذن ضروري في جهنم التي تضم جميع درجات النار وجميع أنواعها.
ثالثتها: مثلما الايمان الذي هو (مادة معنوية) يمنع مفعول نار جهنم، وينجي المؤمنين منها. وكما ان الاسلام درع واقٍ وحصن حصين من النار، كذلك هناك (مادة مادية) تمنع تأثير نار الدنيا، وهي درع أمامها، لان الله سبحانه يجري اجراءاته في هذه الدنيا - التي هي دار الحكمة - تحت ستار الاسباب وذلك بمقتضى اسمه (الحكيم)، لذا

(1) يذكر احد التفاسير أنه: لولم يقل (سلاماً) لكانت تحرق ببرودتها. ـ المؤلف

لايوجد صوت