الكلمات | الكلمة الثانية والعشرون | 363
(362-378)

القصر المنيف صانعاً بديعاً قد أبدعه، فأرى لزاماً علينا أن نسعى لمعرفته، اِذ يبـدو أنه هـو الذي قــد أتـى بنا الى هاهنا، وليس أحد غيره. فلو لم نعرفه فمن ذا غيرهُ يُسعفنا ويُغيثنا ويقضي حوائجنا ونحن في هذا العالم الغريب؟ فهل ترى بصيصَ أملٍ نرجوه من هؤلاء العاجزين الضعفاء ونحن لا نفقه لسانهم ولا هم يصغون الى كلامنا؟. ثم ان الذي جعل هذا العالم العظيم على صورة مملكة منسقة وعلى هيئة مدينة رائعة وعلى شكل قصر بديع، وجعله كنزاً لخوارق الأشياء، وجمّله بأفضل زينة وأروع حُسن، ورصّع نواحيه كلها بمعجزات معبّرة حكيمة.. أقول أن صانعاً له كل هذه العظمة والهيبة وقد أتى بنا - وبمَن حولنا - الى هاهنا، لاشك أن له شأناً في هذا. فوَجَب قبل كل شئ أن نعرفه معرفة جيدة وأن نعلم منه ما يريد منا وماذا يطلب؟.
قال له صاحبه:
- دع عنك هذا الكلام. فانا لا أصدّق أن واحداً احداً يدير هذا العالم الغريب!
فأجابه:
- مهلاً يا صاحبي! هلاّ أعرتني سمعَك! فنحن لو أهملنا معرفته فلا نكسب شيئاً قط، واِن كان في اهمالنا ضررٌ فضرره جدُّ بليغ. بينما اذا سعَينا الى معرفته فليس في سعينا هذا مشقة ولا نلقى من ورائه خسارة، بل منافع جليلة وعظيمة. فلا يليق بنا اذن ان نبقى مُعرِضين هكذا عن معرفته.
ولكن صاحبه الغافل قال:
- أنا لست معك في كلامك هذا. فأنا أجد راحتي ونشوتي في عدم صرف الفكر الى مثل هذه الأمور، وفي عدم معرفة ما تدّعيه عن هذا الصانع البديع. فلا أرى داعياً ان أجهد نفسي فيما لا يسعه عقلي. بل أرى هذه الأفعال جميعها ليست الاّ مصادفات وأموراً متداخلة متشابكة تجري وتعمل بنفسها؟ فما لي وهذه الأمور؟..

لايوجد صوت