فردّ عليه العاقل:
- أخشى أن يلقي بنا عنادُك هذا وبالآخرين الى مصائب وبلايا. ألم تُهدَم مدنٌ عامرةٌ من جـراء سفاهة شقيِّ وأفعالِ فاسق؟
ومرة اخرى اِنبرى له الغافل قائلاً:
- لنحسم الموضوع نهائياً فإما أن تثبت لي اثباتاً قاطعاً لا يقبل الشك بأن لهذه المملكة الضخمة مالكاً واحداً وصانعاً واحداً احداً، أو تَدَعني وشأني.
أجابه صديقه:
- ما دمتَ يا صاحبي تصرّ على عنادك الى حد الجنون والهذيان مما يسوقنا والمملكة بكاملها الى الدمار! فسأضع بين يديك أثني عشر برهاناً أثبت بها أن لهذا العالم الرائع روعةَ القصر، ولهذه المملكة المنتظمة اِنتظام المدينة، صانعاً بديعاً واحداً احداً هو الذي يدبّر الأمور كلَّها. فلا ترى من فطورٍ في شئ، ولا ترى من نقصٍ في أمر. فذلك الصانع الذي لا نراه يبصُرنا ويبصر كلّ شئ، ويسمع كلام كل شئ، فكلُّ أفعاله معجزات وآيات وخوارق وروائع. وما هذه المخلوقات التي لا نفهم ألسنتهم اِلاّ مأمورون وموظفون في مملكته.
البرهان الاول
تعال معي يا صاحبي لنتأمل ما حولنا من أشياء وأمور. ألا ترى ان يداً خفية تعمل من وراء الأمور جميعها؟ أوَ لا ترى ان ما لا قوة له أصلاً ولا يقوى على حمل نفسه(1) يحمل آلاف الأرطال من الحمل الثقيل؟ أوَ لا تشاهد أن ما لا اِدراك له ولا شعور يقوم بأعمالٍ في غاية الحكمة؟(2)… فهذه الأشياء اذن لا تعمل مستقلة بنفسها، بل لابد ان مولى عليماً، وصانعاً قديراً يديرها من وراء الحجب. اذ لو كانت مستقلةً بذاتها، وأمرُها بيدها، للزم أن يكون كلُّ شئ هنا صاحبَ
(1) اشارة الى البذور والنوى التي تحمل اشجاراً ضخمة. - المؤلف.
(2) اشارة الى سيقان العنب - مثلاً - التي تمد أيديها اللطيفة وتعانق الاشجار الاخرى، لضعفها عن حمل عناقيدها الغنية.ــ المؤلف.