الكلمات | الكلمة الثانية والعشرون | 367
(362-378)

وهو الذي يديرها، فما عليك الاّ قبول ملايين الملايين من الصانعين المبدعين، بل بعدد الموجودات! كل منها نِدُّ للآخر ومثيله وبديلُه ومتدخل في شؤونه! مع أن النظام المتقن البديع يقتضي عدم التدخل، فلو كان هناك تدخل مهما كان طفيفاً ومن أي شئ كان، وفي أي أمر من امور هذه المملكة الهائلة، لظهر أثره واضحاً، اذ تختلط الأمور وتتشابك اِن كان هناك سيدان في قرية أو محافظان في مدينة أو سلطانان في مملكة. فكيف بحكامٍ لا يعدّون ولا يحصون في مملكة منسقة بديعة؟!
 البرهان الخامس
أيها الصديق المرتاب! تعال لندقق في نقوش هذا القصر العظيم، ولنمعن النظر في تزيينات هذه المدينة العامرة، ولنشاهد النظام البديع لهذه المملكة الواسعة، ولنتأمل الصنعة المتقنة لهذا العالم. فها نحن نرى انه إن لم تكن هذه النقوش كتابةَ قلمِ المالك البديع الذي لا حدّ لمعجزاته وإبداعه، واُسندت كتابتُها ونقشُها الى الأسباب التي لا شعورَ لها، والى المصادفة العمياء، والى الطبيعة الصماء، للزم اذن ان يكون في كل من أحجار هذه المملكة وعشبها مصّورٌ معجِزٌ وكاتبٌ بـديعٌ يستـطيع أن يكتـب ألـوف الكـتـب في حـرف واحـد، ويمكنه أن يُدرِج مـلايـين الاعمـال المتقـنة البديعة في نقشٍ واحد!! لأنك ترى أن هذا النقش الذي أمامك في هذه اللبنة(2) يضم نقوش جميع القصر، وينطوي على جميع قوانين المدينة وانظمتها، ويتضمن خطط أعمالها. أي ان ايجاد هذه النقوش الرائعة معجزةٌ عظيمةٌ كايجاد المملكة نفسها، فكل صنعة بديعة ليست إلاّ لوحةُ اعلانٍ تُفصح عن أوصاف ذلك الصانع البديع، وكل نقش جميل هو ختمٌ واضحٌ من أختامه الدالة عليه.
فكما انه لا يمكن لحرفٍ الاّ أن يدل على كاتبه، ولا يمكن لنقشٍ الاّ

(2) اشارة الى الانسان الذي هو ثمرة الخلقة، والى الثمرة التي تحمل فهرس شجرتها وبرنامجها. فما كتبه قلمُ القُدرة في كتاب العالم الكبير قد كتبه مجملاً في ماهية الانسان، وما كتبه قلمُ القَدَر في الشجرة قد دَرَجه في ثمرتها الصغيرة.ــ المؤلف.

لايوجد صوت