الكلمات | الكلمة الثانية والعشرون | 366
(362-378)

أي أن كل ما تشاهده من مكائن انما هي بمثابة آية تدل على ذلك الصانع البديع، بل كل ماكنة دليلٌ عليه، واعلان يفصح عن عظمته، ويقول بلسان الحال:
(نحن من اِبداع مَن أبدع هذا العالَم بسهولة مطلقة كما أوجدَنا بسهولة مطلقة).
 البرهان الرابع
أيها الأخ العنيد! تعال اُرِكَ شيئاً اكثر اثارة للاعجاب! انظر، فها قد تبدّلت الأمور في هذه المملكة، وتغيّرت جميع الاشياء، وها نحن أولاء نرى باعيننا هذا التبدل والتغير، فلا ثبات لشئ مما نراه بل الكل يتغيرويتجدد.
أنظر الى هذه الأجسام الجامدة المشاهَدة التي لا نرى فيها شعوراً، كأن كلاً منها قد اتخذ صورةَ حاكمٍ مطلق والآخرون محكومون تحت سيطرته، وكأن كلاً منها يسيطر على الأشياء كلها. انظر الى هذه الماكنة التي بقربنا(3). كأنها تأمر فيهرع اليها من بعيد ما تحتاجه من لوازم لزينتها وعملها، وانظر الى ذلك الجسم الذي لا شعور له(1)، كأنه يسخـِّر باشارةٍ خفيّة منه أضخَم جسمٍ وأكبره في شؤونه الخاصة ويجعله طوع اشارته.. وقس الأمور الأخرى على هذين المثالين.
فان لم تفوَّض امر إدارة المملكة الى ذلك المالك الذي لا نراه، فعليك اذن أن تحيل الى كل مصنوعٍ ما للبديع من إتقان وكمالات، حتى لو كان حجراً أو تراباً أو حيواناً أو اِنساناً أو أي مخلوق من المخلوقات.
فاذا ما استبعد عقلُك ان بديعاً واحداًً احداً هو المالك لهذه المملكة

(3) اشارة الى النباتات المثمرة لأنها تحمل مئات المصانع والمعامل الدقيقة في اعضائها الرقيقة فتنسج الاوراق اللطيفة والازهار الزاهية وتُنضج الثمار اليانعة وتقدّمها الينا. ومنها أشجار الصنوبر الشامخة التي نصبت معاملها على الصخور الصماء في الجبال.ــ المؤلف.
(1) اشارة الى الحبوب والبذيرات وبيوض الحشرات، فتضع البعوضة مثلاً بيوضها على أوراق شجرة، فاذا الورقة تكون لها كرحم الأم والمهد اللطيف، وتمتلئ بغذاء لذيذ كالعسل. فكأن تلك الشجرة غير المثمرة تثمر كائنات حية. - المؤلف

لايوجد صوت