الكلمات | الكلمة الثانية والعشرون | 370
(362-378)

الحيوانات النحيفة الضعيفة العاجزة كيف يسيل الى أفواهها غذاءٌ لطيف خالص يتدفق من مضخات(4) متدلية فوق رؤوسها، وحسبها ان تلصق أفواهها بها!
نخلص من هذا: انه ما من شئ في هذا العالم الاّ وكأنه يتطلع الى الآخر فيغيثه، أو يرى الآخر فيشد من ازره ويعاونه.. فيكمل الواحد عمل الآخر ويكون ظهيره وسنده، ويتوجه الجميع جنباً الى جنب في طريق الحياة.. وقس على ذلك فهذه الظواهر جميعها تدلنا دلالة قاطعة وبيقين جازم إلى انه ما من شئ في هذا القصر العجيب الاّ وهو مسخر لمالكه القدير ولصانعه البديع ويعمل باسمه وفي سبيله، بل كل شئ بمثابة جندي مطيع متأهب لتلقي الأوامر. فكل شئ يؤدي ما كلّف به من واجب بقوة مالكه وحوله، فيتحرك بأمره، وينتظم بحكمته، ويتعاون بكرمه وفضله، ويغيث الآخرين برحمته. فان كنتَ تستطيع يا أخي ابداء شئ من الاعتراض والشك أمام هذا البرهان فهاته.
 البرهان الثامن
تعال يا صاحبي المتعاقل ويا مثيل نفسي الأمّارة بالسوء التي تعدّ نفسها رشيدة وتُحسن الظن بنفسها.. أراك يا صاحبي ترغب عن معرفة صاحب هذا القصر البديع، مع أن كل شئ يدل عليه، وكل شئ يشير اليه، وكل شئ يشهد بوجوده. فكيف تجرأ على تكذيب هذه الشهادات كلها؟. اذن عليك أن تنكر وجود القصر نفسه، بل عليك أن تعلن انه لا قصر ولا مملكة ولا شئ في الوجود. بل تنكر نفسَك وتعدّها معدومةً لا وجود لها.!.. أو عليك ان تعود الى رُشدك وتصغي اليّ جيداً، فها أنا أضع بين يديك هذا المنظر:
تأمل في هذه العناصر والمعادن(1) التي تعم هذه المملكة والتي توجد في كل أرجاء هذا القصر. ومعلوم انه ما من شئ ينتج في هذه

(4) اشارة الى ثدي الامهات. – المؤلف.
(1) اشارة الى عناصر الهواء والماء التي تؤدي وظائف مهمة شتى، وتمد كل محتاج باذن الله وتنتشر في كل مكان بأمرالله فتهيء لوازم الحياة لذوي الحياة، وهي الاصل في خيوط نقش المصنوعات الالهية.ــ المؤلف.

لايوجد صوت