الكلمات | الكلمة الثانية والعشرون | 371
(362-378)

المملكة الاّ من تلك المواد. فَمن كان مالكاً لتلك المواد والعناصر فهو اذن مالك لكل ما يُصنع وينتج فيها. اذ مَن كان مالكاً للمزرعة فهو مالك المحاصيل، ومَن كان مالكاً للبحر فهو مالك لما فيه.
ثم أنظر يا صاحبي الى هذه المنسوجات والاقمشة الملونة المزدانة بالأزهار. انها تُصنع من مادة واحدة. فالذي هيأ تلك المادة وغَزَلها لابد أنه واحد، لأن تلك الصنعة لا تقبل الاشتراك، فالمنسوجات المتقنة تخصّه هو. ثم التفت الى هذا: ان اجناس هذه المنسوجات موجودة في كل جزء من أجزاء هذا العالم العجيب وقد انتشرت انتشاراً واسع النطاق حتى انها تُنسَج معاً وبتداخل في آن واحد وبنمط واحد في كل مكان. أي أنه فعلُ فاعلٍ واحد، فالجميع يتحرك بأمرٍ واحد. والاّ فمحال أن يكون هناك انسجامٌ تام وتوافق واضح في العمل وفي آن واحد وبنمط واحد وبنوعية واحدة وهيأة واحدة في جميع الانحاء، لذا فان كل ما هو متقن الصنع يدل دلالة واضحة على ذلك الفاعل الذي لا نراه، بل كأنه يعلن عنه صراحةً، بل كأن كل نسيج مغرز بالزهور، وكل ماكنة بديعة، وكل مأكول لذيذ، انما هو علامة الصانع المعجز وخاتمه وآيته وطغراؤه فكل منه يقول بلسان الحال: (مَن كنتُ انا مصنوعُه، فموضعي الذي أنا فيه مُلكُه). وكل نقش يقول: (مَن قام بنسجي ونقشي فالطَول الذي أنا فيه هو منسوجُه). وكل لقمة لذيذة تقول: (مَن يصنعني ويُنضجني فالقِدر الذي أطبخُ فيه مُلكُه). وكل ماكنة تقول: (مَن قام بصنعي فكل ما في العالم من امثالي مصنوعه وهو مالكه. اي من كان مالكاً للمملكة والقصر كله فهو الذي يمكـنه ان يملّكنا). وذلك بمثـل مَن اراد أن يدّعي تملّك أزرار البزة العسكرية ووضع شعار الدولة عليها لابد أن يكون مالكاً لمصانعها كلها حتى يكون مالكاً حقيقياً، والا فليس له إلاّ الادعاء الكاذب، بل يعاقب على عمله ويؤاخذ على كلامه.
الخلاصة: كما ان عناصر هذه المملكة موادٌ منتشرةٌ في جميع ارجائها فمالكُها اذن واحدٌ يملك ما في المملكة كلها، كذلك المصنوعات المنتشرة في أرجاء المملكة لأنها متشابهةٌ تُظهِر علامة

لايوجد صوت