أن قيمةَ المادة تختلف عن قيمة الصنعة ومدى الاجادة فيما يصنعه الانسانُ، فنرى أحياناً القيمتين متساويتين، وقد تكون المادةُ اكثرَ قيمةً من الصنعة نفسِها، وقد يحدث ان تحتوي مادة حديد على قيمة فنيةٍ وجمالية عاليةٍ جداً، ويحدث أن تحوز صنعةٌ نادرة نفيسة جداً قيمةَ ملايين الليرات رغم كونها من مادة بسيطة جداً. فاذا عُرضَت مثل هذه التحفة النادرة في سوق الصنّاعين والحرفيين الـمُجيدين وعرفوا صانعها الباهر الماهر الشهير فانها تحوز سعر مَليون ليرة، أما إذا اُخذت التحفةُ نفسُها الى سوق الحدادين - مثلاً - فقد لا يتقدم لشرائها أحدٌ، وربما لا ينفق أحدٌ في شرائها شيئاً.
وهكذا الانسانُ، فهو الصنعة الخارقة للخالق الصانع سبحانه، وهو أرقى معجزةٍ من معجزات قدرته وألطفُها، حيث خلقه الباري مظهراً لجميع تجليات أسمائه الحسنى، وجعله مداراً لجميع نقوشه البديعة جلّت عظمته، وصيرّه مثالاً مصغراً ونموذجاً للكائنات بأسرها.
فإذا استقر نورُ الايمان في هذا الانسان لبيّن - ذلك النور - جميع ما على الانسان من نقوش حكيمة، بل يستقرئها الآخرين؛ فيقرأها المؤمن بتفكر، ويشعُر بها في نفسه شعوراً كاملاً، ويجعل الآخرين يطالعونها ويتملّونَها، أي كأنه يقول: (ها أنا ذا مصنوع الصانع الجليل ومخلوقُه. انظروا كيف تتجلى فيّ رحمتُه، وكرمُه). وبما شابهها من المعاني الواسعة تتجلّى الصنعة الربانية في الانسان.
اذن الايمان - الذي هو عبارة عن الانتساب الى الصانع سبحانه - يقوم باظهار جميع آثار الصنعة الكامنة في الانسان، فتتعين بذلك قيمةُ الانسان على مدى بروز تلك الصنعة الربانية، ولمعان تلك المرآة الصمدانية. فيتحول هذا الانسان - الذي لا أهمية له - الى مرتبة أسمى المخلوقات قاطبة، حيث يصبح أهلاً للخطاب الإلهي، وينال شرفاً يؤهله للضيافة الربانية في الجنة.
أما إذا تسلّل الكفر - الذي هو عبارةٌ عن قطع الانتساب الى الله - في الانسان، فعندئذٍ تسقط جميع معاني نقوش الاسماء الحسنى الإلهية