العـظـيم من الظـلمات. فاستـخدمته، فبـدا لـي وضـعٌ رهيب، اذ رأيت اُسوداً وضواري ووحوشاً وأشباحاً في كل مكان حتى في نهايات وأطراف الجسر، فتمنيتُ أن لم أكن أملكُ هذا المصباحَ الذي كشف لي كلَّ هذه المخلوقات المخيفة؛ إذ إنني أينما وجَّهتُ نـورَ المصباح شهــدتُ المخــاطر المدهـشة نفـسَها، فتحسرتُ في ذات نفسي وتأوّهتُ قائلاً: (إن هذا المصباحَ مصيبةٌ وبلاءٌ عليّ). فاستشاط غيظي فالقيت المصباح الى الأرض وتحطَّمَ، وكأن بتحطُّمه قد أصبتُ زرّاً لمصباح كهربائي هائل، فإذا به يُنور الكائـناتِ جمـيعاً فانـقـشــعتْ تلك الظــلماتُ، وانكشفت وزالت نهائياً، وامتلأ كلُّ مكانٍ وكلُّ جــهةٍ بـذلك النور. وبَدَتْ حقيقةُ كلّ شئ ناصعةً واضحة. فوجدتُ أن ذلك الجسر المعلّقَ الرهيبَ ما هو إلاّ شارعٌ يـمرّ من سهلٍ مـنـبـسط. وتبـيّـنتُ أن تلــك المقـبــرةَ الهــائــلةَ التــي رأيتُها على جهة اليمين ليست الاّ مجالسَ ذكرٍ وتهليلٍ وندوة كريمة لطيفة وخِدمة جليلة، وعبادة سامية تحت إمرة رجالٍ نورانيين في جنائن خُضرٍ جميلة تشعُّ بهجةً ونوراً وتبعث في القلب سعادةً وسروراً. أما تلك الأودية السحيقةُ والدواهي المدهشةُ والحوادثُ الغامضةُ التي رأيتُها عن يساري، فلم تكن الاّ جبالاً مشجرّةً خضراء تسرُّ الناظرين، ووراءَها مضيفٌ عظيمٌ ومروجٌ رائعةٌ ومتنزَّهٌ رائع.. نعم، هكذا رأيتُها بخيالي، أما تلك المخلوقاتُ المخيفة والوحوشُ الضارية التي شاهدتُها فلم تكن الاّ حيوانات أليفة أنيسة؛ كالجمل والثور والضأن والماعز، وعندها تلوتُ الآيةَ الكريمة:
﴿الله وِليُّ الذينَ آمَنوا يُخرِجُهُمْ مِنَ الظُلُماتِ الى النّورِ﴾
وبدأتُ أردّد: الحمدلله على نور الايمان.
ثَمَّ أفقتُ من تلك الواقعةِ.
وهكذا، فذاكما الجبلان هما: بدايةُ الحياةِ ومُنتهاها، أي هما عالمُ الأرض وعالمُ البرزخ.. وذلك الجسرُ هو طريقُ الحياة.. والطرفُ الايمنُ هو الماضي من الزمن، والطرفُ الأيسرُ هو المستقبلُ منه .