الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 410
(405-435)

الايمان - أن هناك وراءَ انقلاباتٍ برزخيةٍ واُخروية - وهي بضخامة الجبال الشواهق - قصور سعادة الجنان، قد مُدَّت فيها مضايفُ الرحمن مَداً لا أولَ لها ولا آخر. فيتيقن بأَن كلَّ حادثةٍ من حوادث الكون - كالأعاصير والزلازل والطاعون وامثالها - انما هي مُسخرّات موظفاتٌ مأموراتٌ، فيرى أن عواصفَ الربيع والمطر وأمثالَها من الحوادث التي تبدو حزينةً سمجةً، ما هي في الحقيقة والمعنى الا مدارُ الحِكَمِ اللطيفة، حتى إنه يرى الموتَ مقدمةً لحياةٍ أبديةٍ، ويرى القبرَ بابَ سعادةٍ خالدة.. وقسْ على هذا المنوال سائَر الجهاتِ بتطبيق الحقيقةِ على المثال.
 النقطة الثالثة:
كما أن الايمانَ نورٌ وهو قوةٌ ايضاً. فالانسانُ الذي يظفر بالايمان الحقيقي يستطيع أن يتحدى الكائناتِ ويتخلصَ من ضيق الحوادثِ، مستنداً الى قوةِ ايمانه فَيبحرُ متفرجاً على سفينة الحياة في خضم أمواج الأحداث العاتية بكمال الأمان والسلام قائلاً: تَوكَّلتُ على الله، ويسلّم أعباءه الثقيلةَ أمانةً الى يدِ القُدرةِ للقدير المطلق، ويقطعُ بذلك سبيلَ الدنيا مطمئنّ البال في سهولةٍ وراحةٍ حتى يصل الى البرزخ ويستريح، ومن ثم يستطيع ان يرتفعَ طائراً الى الجنة للدخول الى السعادة الأبدية.
أما اِذا ترك الانسانُ التوكل فلا يستطيع التحليقَ والطيرانَ الى الجنة فحسب بل ستجذبه تلك الأثقالُ الى أسفلَ سافلين.
فالايمان اذن يقتضي التوحيدَ، والتوحيدُ يقودُ الى التسليم، والتسليم يُحقق التوكلَ، والتوكلُ يسهّل الطريقَ الى سعادة الدارَين. ولا تظنن أن التوكل هو رفضُ الأسباب وردّها كلياً، وإنما هو عبارةٌ عن العلمِ بأن الأسبابَ هي حُجُب بيَدِ القدرة الإلهية، ينبغي رعايتها ومداراتها، أما التشبثُ بها أو الأخذ بها فهو نوعٌ من الدعاء الفعلي. فطلبُ المسَبَّباتِ اذن وترقّب النتائج لا يكون الاّ مِن الحقِّ سبحانه وتعالى، واَنّ المنةَ والحمدَ والثناءَ لا ترجعُ الاّ اِليه وحدَه.

لايوجد صوت