يتضح من هذا ان وظيفة الانسان الفطرية انما هي التكمل (بالتعلم) أي الترقي عن طريق كسب العلم والمعرفة، والعبودية (بالدعاء). أي أن يدرك في نفسه ويستفسر: (برحمةِ مَنْ وشَفقته اُدارى بهذه الرعاية الحكيمة؟! وبمَكْرَمةِ مَنْ وسخائِه اُربّى هذه التربية المفعمةَ بالشفقة والرحمة؟ وبألطافِ مَنْ بوجُودِه اُغذّى بهذه الصورة الرازقة الرقيقة؟!). فيرى أن وظيفته حقاً هو الدعاءُ والتضرعُ والتوسلُ والرجاءُ بلسان الفقر والعجز الى قاضي الحاجات ليقضي له طلباته وحاجاته التي لا تصل يدُه الى واحدةٍ من الألفِ منها. وهذا يعني ان وظيفته الأساس هي التحليق والارتفاع بجناحَي (العجز والفقر) الى مقام العبودية السامي.
اذن فلقد جئ بهذا الانسان الى هذا العالم لأجل أن يتكامل بالمعرفة والدعاء؛ لأن كل شئ فيه موجَّه الى العلم ومتعلقٌ بالمعرفة حسبَ الماهية والاستعداد. فأساسُ كلِّ العلوم الحقيقية ومعدنها ونورُها وروحها هو (معرفة الله تعالى) كما ان اُسَّ هذا الاساس هو (الايمانُ بالله جل وعلا).
وحيث ان الانسان متعرضٌ لما لا يحصى من أنواع البلايا والمصائب ومهاجمة الاعداء لما يحمل من عجزٍ مطلقٍ. وله مطالبُ كثيرةٌ وحاجاتٌ عديدة مع أنه في فقرٍ مدقع لا نهاية له؛ لذا تكون وظيفتُه الفطريةُ الأساس (الدعاءَ) بعد الايمان، وهو أساسُ العبادة ومخّها. فكما يلجأ الطفلُ العاجز عن تحقيق مرامه أو تنفيذ رغبته بما لا تصل اليه يدُه، الى البكاء والعويل أو يطلب مأمولَه، أي يدعو بلسان عجزه إما قولاً أو فعلاً فيوفَّق الى مقصوده ذاك، كذلك الانسانُ الذي هو ألطفُ أنواع الأحياء وأعجزُها وأفقرُها وهو بمنزلة صبيٍّ ضعيفٍ لطيفٍ، فلابدّ له من أن يأوى الى كنفِ الرحمن الرحيم والانطراحَ بين يديه إما باكياً معبراً عن ضعفه وعجزه، أو داعياً بفقره واحتياجـه، حتـى تُلبّى حاجتُه وتُنفَّذ رغبتُهُ. وعندئذٍ يكون قد أدّى شكرَ تلك الإغاثات والتلبيات والتسخيرات. والاّ فاذا قال بغرورٍ كالطفل الأحمق. (أنا أتمكن أن اُسخّرَ جميع هذه الأشياء واستحوذَ