الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 411
(405-435)

ان مَثلَ المتوكلِ على الله وغيرَ المتوكل كَمثَلِ رجلَين قاما بحمل اعباءٍ ثقيلةٍ حُمّلت على رأسهما وعاتقهما، فقطعا التذاكر وصعدا سفينةً عظيمةً، فوضعَ احدهُما ما على كاهِله حالما دخل السفينة وجلسَ عليه يرقُبُه أما الآخرُ فلم يفعل مثلَه لحماقته وغروره، فقيل له:
- (ضع عنك حملكَ الثقيل لترتاح من عنائك؟). فقال:
- (كلا، اني لست فاعلاً ذاك مخافة الضياع، فانا على قوةٍ لا أعبأُ بحملي، وسأحتفظ بما أملُكه فوقَ رأسي وعلى ظهري). فقيل له ثانية:
ولكن أيها الأخ إنّ هذه السفينةَ السلطانية الأمينةَ التي تأوينا وتجري بنا هي أقوى وأصلبُ عوداً منا جميعاً. وبامكانها الحفاظُ علينا وعلى أمتعتنا اكثرَ مِن أنفسنا، فربما يُغمى عليك فتهوي بنفسِك وأمتعتك في البحر، فضلاً عن انك تفقُد قوتَك رويداً رويداً، فكاهلُك الهزيل هذا وهامتُك الخرقاء هذه لن يَسَعهما بعدُ حملُ هذه الأعباء التي تتزايد رَهَقاً، واذا رآك ربّان السفينة على هذه الحالة فيسظنــُّك مصاباً بَمسٍ من الجنون وفاقداً للوعي، فيطرُدُك ويقذِفُ بكَ خارجاً، أو يأمرُ بإلقاء القبضِ عليك ويُودِعك السجن قائلاً: ان هذا خائنٌ يتهم سفينَتَنا ويستهزئُ بنا، وستُصبح أضحوكةً للناس، لأنك باظهارك التكبّر الذي يُخفي ضعفاً - كما يراه أهلُ البصائر - وبغرورِك الذي يحمل عَجزاً، وبتصنّعك الذي يُبطن رياءً وذلة، قد جعلتَ من نفسك اُضحوكةً ومهزلةً. ألا ترى ان الكل باتوا يضحكون منك ويستصغرونك..! وبعد ما سمع كلَّ هذا الكلام عاد ذلك المسكينُ الى صوابه فوضع حِملَه على أرضِ السفينة وجلسَ عليه وقال:
الحمد لله... ليرضَ الله عنك كل الرضا فلقد أنقذتَني من التعب والهوان ومن السجن والسخرية.
فيا أيها الانسان البعيدُ عن التوكل! ارجع الى صوابك وعُد الى رُشدك كهذا الرجل وتوكّل على الله لتتخلص من الحاجة والتسوّل من الكائنات، ولتنجوَ من الإرتعاد والهلع أمام الحادثات، ولتنقذَ نفسَك من الرياء والاستهزاء ومن الشقاء الابدي ومن أغلال مضايقات الدنيا.

لايوجد صوت