أما المصباحُ اليدوي فهو أنانيةُ الانسان المعتدةُ بنفسها والمتباهيةُ بما لديها من علم، والتي لا تصغي الى الوحي السماوي.. أما تلك الغيلانُ والوحوشُ الكاسرة فهي حوادثُ العالم العجيبة وموجوداته.
فالانسانُ الذي يعتمد على أنانيته وغروره ويقع في شِراكِ ظلماتِ الغفلةِ ويُبتلى بأغلال الضلالة القاتلة، فإنه يشبه حالتي الأُولى في تلك الواقعة الخيالية، حيث يرى الزمنَ الماضي - بنور ذلك المصباح الناقص الذي هو معرفةُ ناقصةُ منحرفة للضلالة كمقبرةٍ عظيمة في ظلمات العدم، ويصوِّرُ الزمن من المستقبلِ موحشاً تَعبثُ فيه الدواهي والخطوب محيلاً إياه الى الصدفةِ العمياء. كما يصوِّرُ جميعَ الحوادث والموجودات - التي كل منها موظفةٌ مسخرةٌ من لدن ربّ رحيم حكيم - كأنها وحوشٌ كاسرةٌٌ وفواتك ضارية. فيحقّ عليه حُكمُ الآية الكريمة:
﴿والذينَ كَفَروا أوليَاؤهُم الطّاغوتُ يُخرجُونَهُم من النّورِ الى الظُلُمات﴾ (البقرة: 257)
اما إذا أغاثت الانسانَ الهدايةُ الإلهيةُ، ووجد الايمانُ الى قلبه سبيلاً، وانكسرت فرعونيةُ النفسِ وتحطّمتْ، وأصغى الى كتاب الله، فيكونُ أشبهَ بحالتي الثانيةِ في تلك الواقعةِ الخيالية، فتصطبغُ الكائناتُ بالنهار وتمتلىءُ بالنور الإلهي، وينطق العالمُ برمَّته : ﴿الله نورُ السمواتِ والأرض﴾(النور:35)
فليس الزمنُ الغابرُ اذ ذاك مقبرةً عظمى كما يُتوهم، بل كل عصرٍ من عصوره كما تشهدُه بصيرةُ القلب، زاخرٌ بوظائفَ عبوديةٍ تحت قيادة نبيّ مُرسَلِ، أو طائفةٍ من الأولياء الصالحين، يديرُ تلك الوظيفة السامية وينشرها ويرُسِّخُ اركانَها في الرعية على أتمِّ وجهٍ وأكمل صورة. ومن بعد انتهاء هذه الجماعات الغفيرة من ذوي الأرواح الصافية من اداء وظائفها الحياتية وواجباتها الفطرية تحلّق مُرتَقيةً الى المقامات العالية مُردّدةً: (الله اكبرُ) مخترقةً حجابَ المستقبل. وعندما يلتفتُ الى يساره يتراءى له من بعيد - بمنظار نور