الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 407
(405-435)

الحكيمة في الظلام وتمحى نهائياً، ويتعذر مطالعتها وقراءتها؛ ذلك لانه لا يمكن ان تُفهَم الجهات المعنوية المتوجهة فيه الى الصانع الجليل، بنسيان الصانع سبحانه، بل تنقلب على عقبيها، وتندرس اكثر آيات الصنعة النفيسة الحكيمة واغلب النقوش المعنوية العالية، أما ما يتبقى منها مما يتراءى للعين فسوف يُعزى الى الاسباب التافهة، الى الطبيعة، والمصادفة، فتسقط نهائياً وتزول، حـيث تتحول كل جوهرةٍ من تلك الجواهر المتلألئة الى زجاجةٍ سوداء مظلمة، وتقتصر أهميتها آنذاك على المادة الحيوانية وحدها. وكما قلنا ان غاية المادة وثمرتها هي قضاء حياة قصيرة جزئية يعيشها صاحبها وهو أعجز المخلوقات وأحوجها وأشقاها، ومن ثم يتفسخ في النهاية ويزول.. وهكذا يهدم الكفر الماهية الانسانية ويحيلها من جوهرة نفيسة الى فحمة خسيسة.
 النقطة الثانية:
كما ان الايمان نور يضئُ الانسانَ وينوِّرُه ويُظهر بارزاً جميعَ المكاتيب الصمدانية المكتوبة عليه ويستقرِئُها، كذلك فهو يُنير الكائنات أيضاً، وينقذ القرون الخالية والآتية من الظلمات الدامسة.
وسنوضح هذا السرّ بمثال؛ استناداً الى أحد اسرار هذه الآية الكريمة:
﴿الله وليُّ الذين آمَنوا يُخرجُهُم مِن الظُلماتِ الى النّور﴾(البقرة: 257)
لقد رأيتُ في واقعةٍ خيالية أن هناك طودين شامخين متقابلين، نُصبَ على قمتيهما جسرٌ عظيم مدهش، وتحته وادٍ عميقٌ سحيق. وأنا واقف على ذلك الجسر، والدنيا يخيّم عليها ظلامٌ كثيف من كل جانب، فلا يكاد يرى منها شئ. فنظرت الى يميني فوجدت مقبرةً ضخمة تحت جنح ظلمات لا نهاية لها، اي هكذا تخيلت، ثم نظرت الى طرفي الأيسر فكأني وجدت أمواجَ ظلماتٍ عاتية تتدافع فيها الدواهي المذهلة والفواجع العظيمة وكأنها تتأهب للانقضاض، ونظرتُ الى أسفل الجسر فتراءت لعيني هوةٌ عميقةٌ لا قرار لها، وقد كنتُ لا أملك سوى مصباحٍ يدوي خافتِ النور أمامَ كل هذا الهدير

لايوجد صوت