الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 412
(405-435)

النقطة الرابعة:
إن الايمانَ يجعل الانسانَ انساناً حقاً، بل يجعله سلطاناً؛ لذا كانت وظيفتُه الأساس: (الايمانُ بالله تعالى والدعاء اليه). بينما الكفرُ يجعل الانسانَ حيواناً مفترساً في غاية العجز.
وسنورد هنا دليلاً واضحاً وبرهاناً قاطعاً من بين آلاف الدلائل على هذه المسألة، وهو: التفاوتُ والفروقُ بين مجئ الحيوان والانسان الى دار الدنيا.
نعم، ان التفاوتَ بين مجئ الحيوان والانسان الى هذه الدنيا يدل على أن اكتمالَ الانسانيةِ وارتقاءها الى الانسانية الحقة إنما هو بالايمان وحدَه، وذلك لأن الحيوانَ حينما يأتي الى الدنيا يأتي اليها كأنه قد إكتملَ في عالمٍ آخرٍ، فيرُسَلُ اليها متكاملاً حسب إستعداده. فيتعلم في ظرف ساعتين أو يومين أو شهرين جميع شرائط حياته وعلاقاته بالكائنات الأخرى وقوانينَ حياته، فتحصلُ لديه مَلَكةٌ؛ فيتعلّم العصفورُ أو النحلةُ - مثلاً - القدرةَ الحياتية والسلوكَ العملي عن طريق الإلهامِ الرباني وهدايتِه سبحانه. ويحصلُ في عشرين يوماً على ما لا يتعلمه الانسانُ الاّ في عشرين سنة. اذن الوظيفةُ الاساس للحيوان ليست التكمّل والإكمتال بالتعلّم، ولا الترقي بكسب العلم والمعرفة، ولا الاستعانة والدعاء باظهار العجز. وانما وظيفتُه الأصلية: العمل حسب استعداده، اي العبودية الفعلية.
أما الانسانُ فعلى العكس من ذلك تماماً، فهو عندما يَقِدم الى الدنيا يقدِمُها وهو محتاجٌ الى تعلّم كل شئ وادراكه؛ اذ هو جاهلٌ بقوانين الحياة كافة جهلاً مطبقاً، حتى إنه قد لا يستوعب شرائطَ حياته خلال عشرين سنة. بل قد يبقى محتاجاً الى التعلم والتفهم مدى عمره. فضلاً عن أنه يُبعث الى الحياة وهو في غاية الضَعف والعَجز حتى إنه لا يتمكن من القيام منتصباً الاّ بعد سنتين من عمره، ولا يكاد يميّز النفَع من الضرّ الا بعد خمس عشرة سنة، ولا يمكنه أن يحقّق لنفسه منافع حياته ومصالحها ولا دفـع الضرر عنها إلاّ بالتعـاون والانخـراط فـي الحيـاة الاجتماعية البشرية.

لايوجد صوت