عليها بافكاري وتدبيري) وهي التي تفوق ألوف المرات قوتَه وطاقَته! فليس ذلك الاّ كفرانٌ بنَعم الله تعالى، ومعصيةٌ كبيرة تنافي الفطرة الانسانية وتناقضها، وسببٌ لجعل نفسه مستحقّاً لعذابٍ أليمٍ.
النقطة الخامسة:
كما أن الايمانَ يقتضي (الدعاء) ويتّخذه وسيلةً قاطعةً ووساطةً بين المؤمن وربّه، وكما اَن الفطرةَ الانسانية تتلهف اليه بشدةٍ وشوق، فان الله سبحانه وتعالى ايضاً يدعو الانسانَ الى الأمر نفسه بقوله:
﴿قُلْ مَا يَعْبَؤا بكُم ربّي لَولا دُعَاؤكُم﴾(الفرقان:77)
وبقوله تعالى: ﴿اُدْعوني أستَجِبْ لكُم﴾(غافر:60)
ولعلك تقول: (إننا كثيراً ما ندعو الله فلا يُستجابُ لنا رغم ان الآية عامةٌ تُصرّح بأنّ كل دعاءٍ مستجابٌ).
الجواب:
ان إستجابةَ الدعاء شئ، وقبولَه شئ آخر. فكلُّ دعاءٍ مستجابٌ، الاّ أن قبولَه وتنفيذَ المطلوب نفسه منوطٌ بحكمة الله سبحانه.
فمثلاً: يستصرخ طفلٌ عليل الطبيبَ قائلاً:
(أيها الطبيب انظر اليّ واكشف عني).
فيقول الطبيب: (أمرُك يا صغيري). فيقول الطفل:
(اعطني هذا الدواء). فالطبيب حينذاك إمّا انه يُعطيه الدواء نفسَه، أو يعطيه دواءً أكثر نفعاً وأفضل له، أو يمنع عنه العلاجَ نهائياً. وذلك حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحةُ.
وكذلك الحق تبارك وتعالى (وله المثل الاعلى) فلأنه حكيمٌ مطلقٌ ورقيبٌ حسيب في كل آن، فهو سبحانه يستجيب دعاءَ العبد، وباستجابته يُزيل وحشَته القاتمةَ وغربته الرهيبة، مُبدلاً إياها أملاً واُنساً وإطمئناناً. وهو سبحانه إما أنه يَقبل مَطلبَ العبد ويستجيب لدعائه نفسه مباشرة، أو يمنحه أفضل منه، أو يردّه، وذلك حسب اقتضاء الحكمة الربانية، لا حسبَ أهواء العبد المتحكمة وأمانيّه