الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 422
(405-435)

فانها ستنبثق من عالمها الضيق لتكتملَ شجرةً مثمرةً باسقة، ولتأخذ حقيقتُها الجزئية، وروحُها المعنوية الصغيرة صورتَها الحقيقية الكلية الكبيرة.
فكما ان البذرة هكذا فالانسانُ كذلك. فقد اُودعتْ في ماهيته اجهزةٌ مهمةٌ من لدن القدرة الإلهية، ومُنحَ برامجَ دقيقة وثمينة من لدن القَدَر الإلهي. فاذا أخطأ هذا الانسانُ التقديرَ والاختيار، وصَرَف اجهزتَه المعنوية تحت ثرى الحياة الدنيا وفي عالم الارض الضيق المحدود، الى هوى النفس، فسوف يتعفّنُ ويتفسّخ كتلك البذرة المتعفنة، لأجل لذةٍ جزئيةٍ ضمن عمرٍ قصيرٍ وفي مكانٍ محصور وفي وضع متأزم مؤلم، وستتحمل روحُه المسكينة تبعات المسؤولية المعنوية فيرحلُ من الدنيا خائباً خاسراً.
أما اذا ربّى الانسانُ بذرةَ استعداده وسقاها بماءِ الأسلام، وغذّاها بضياءِ الايمان تحت تراب العبودية موجهاً أجهزتَها المعنوية نحو غاياتها الحقيقية بامتثال الأوامر القرآنية. فلابد أنها ستنشقّ عن أوراقٍ وبراعم واغصانٍ تمتدّ فروعُها وتتفتّح أزاهيرُها في عالم البرزخ وتولّد في عالم الآخرة وفي الجنة نِعَماً وكمالاتٍ لا حد لها. فيصبح الانسان بذرةً قيّمةً حاوية على أجهزة جامعة لحقيقة دائمة ولشجرة باقية، ويغدو آلةً نفيسة ذات رونق وجمال، وثمرةً مباركة منورة لشجرة الكون.
نعم ان السموَّ والرقي الحقيقي انما هو بتوجيه القلب، والسرِ، والروح، والعقل، وحتى الخيال وسائر القوى الممنوحة للانسان، الى الحياة الأبدية الباقية، وأشتغال كلٍّ منها بما يخصّها ويناسبها من وظائف العبودية. أما ما يتوهمه أهلُ الضلالة من الانغماس في تفاهات الحياة والتلذّذِ بملذاتها الهابطة والإنكباب على جزئيات لذاتها الفانية دون الالتفات الى جمال الكليات ولذائذها الباقية الخالدة مسخّرين القلب والعقل وسائر اللطائف الانسانية تحت إمرةِ النفس الأمارة بالسوء وتسييرها جميعاً لخدمتها، فان هذا لا يعني رقياً قط، بل هو سقوطٌ وهبوط وانحطاط.

لايوجد صوت