الكلمات | الكلمة الثالثة والعشرون | 425
(405-435)

ومصنوعاته البديعة غير المحدودة، وهيأ لتنزهه واستجمامه ومنافعه دائرةً عظيمة واسعة جداً، نصفُ قطرها مدُّ البصر بل مدُّ انبساط الخيال.
فإذا استند الانسان الى أنانيته وغروره واتخذ الحياة الدنيا غاية آماله، وكان جهدُه وكدُّه لأجل الحصول على لذاتٍ عاجلةٍ في سعيه وراء معيشته. فسوف يغرق في دائرة ضيقة ويذهب سعيه ادراجَ الرياح، وستشهد عليه يوم الحشر جميعُ الاجهزة والجوارح واللطائف التي اُودعت فيه شاكيةً ضده، ساخطةً ثائرة عليه. أما إذا أدرك انه ضيفٌ عزيز، وتحرك ضمن دائرة مرضاة مَنْ نَزَل عليه ضيفاً وهو الكريمُ ذو الجلال، وصرَفَ رأسمال عمره ضمن الدائرة المشروعة فسوف يكون نشاطه وعمله ضمن دائرة فسيحة رحبة جداً تمتد الى الحياة الأبدية الخالدة، وسيعيش سالماً آمناً مطمئناً، ويتنفس تنفس الصعداء ويستروح، وبإمكانِهِ الصعودُ والرقي الى أعلى عليين. وستشهد له في الآخرة ما منحه الله من الاجهزة والجوارح واللطائف.
نعم، ان الاجهزة التي ُرعت في الانسان ليست لهذه الحياة الدنيا التافهة، وانما اُنعم عليه بها لحياةٍ باقية دائمة، لها شأنها وأيُّ شأن. ذلك لأننا إذا قارنّا بين الانسان والحيوان نرى ان الانسان أغنى من الحيوان بكثير من حيث الأجهزة والآلات، بمائة مرة، ولكنه من حيث لذّتِه وتمتّعه بالحياة الدنيا أفقرُ منه بمائة درجة، لأن الانسان يجد في كل لذةٍ يلتذّ بها ويتذوقها آثارَ آلاف من الآلامِ والمنغّصات. فهناك آلامُ الماضي، وغصصُ الزمن الخالي، ومخاوفُ المستقبل، وأوهامُ الزمان الآتي، وهناك الآلامُ الناتجة من زوال اللذات. كلُّ ذلك يُفسد عليه مزاجَه وأذواقَه ويكدِّر عليه صفوَه ونشوتَه، حيث تترك كلُّ لذةٍ أثراً للألم. بينما الحيوانُ ليس كذلك، فهو يتلذّذُ دون ألمٍ، ويتذوق الاشياء صافيةً دون تكدِّرٍ وتعكر، فلا تعذّبه آلامُ الماضي ولا ترهبهُ مخاوفُ المستقبل، فيعيش مرتاحاً ويغفو هانئاً شاكراً خالقَه،حامداً له.
اذن فالانسان الذي خُلق في (أحسن تقويم) إذا حَصَر فكرَه في الحياة الدنيا وحدَها فسيهبط ويتَّضع ويصبح أقل شأناً بمائة درجة من

لايوجد صوت